تحكى الرحله عن الدير الابيض او دير الانبا بيجول او بيشاى
لما أقتربت السياره بشده من سفح الجبل المهيب أنحرفت يمينا فى طريق
مسفلت و نظيف تحفه من على الشمال مقابر للمسيحيين على مساحات شاسعه و فى
حالة يرثى لها و من على الشمال مزارع هائله للقمح .. منتهى التناقض فى
المشهد ما بين الحياه و الموت !! ..
و ظهرت مبانى الدير الأبيض بعد المقابر مباشرة
فكرة و فلسفة الرهبانيه فى العالم أجمع خرجت أصلا من هذه البقعه على
أرض الوطن .. و أنه لا يوجد راهب فى العالم لم يدرس تاريخ الدير الأبيض
اللى اٍحنا بصدد زيارته و لم يتأثر به .. ..
الأمر التانى و المهم هذه المنطقه قد شهدت صراعات طاحنه بين أصحاب
الديانه المسيحيه الأوائل عند بدء اٍنتشارها على أرض الصعيد و بين
المصريين اللى تمسكوا بالوثنيه الفرعونيه القديمه و واضح أن الغلبه كانت
لمتبعى الديانه الجديده حيث أنتشرت المسيحيه على أرض الصعيد بل و قام
المسيحيون الصعايده الجدد باٍعلان اٍنتصارهم الحاسم بعد أن تمسكوا بايمان
ثابت عجيب حنشوفه فى الصور و الكليبات العجيبه اللى ألتقطتها فى الدير
الأبيض !!
كل شىء مبنى من الحجر الجيرى الأبيض و ده سبب تسميته بالدير الأبيض و
بناءه قديم يرجع لحوالى 1600 سنه مضت .. و فيه منطقه مسوره بتحتوى على
بقايا آثار فرعونيه
و هذا.. بهو كبير فى الهواء الطلق به بقايا أعمده حجريه على الصفين
هذا الفناء كان الرهبان الأوائل يتناولوا طعامهم لأن كان عددهم كبير
جدا يتجاوز ال 4000 راهب .. و كان بينضم لهم رهبان أجانب كانوا بيسعوا
للاٍنضمام لدير الأنبا شنوده رئيس المتوحدين علشان يتعلموا أصول الرهبنه
المصريه اللى بقت مناره لكل رهبان العالم .. و بالمناسبه البابا شنوده
الثالث بأخذ لقبه الكنسى من اٍسم الأنبا شنوده رئيس المتوحدين و قضى فتره
كبيره جدا من حياته الكهنوتيه فى هذا الدير ..
أرض الفناء مبلطه ببلاط حديث وضع فوق البلاط القديم الأثرى و هى عاده
مصريه متأصله عملا بمبدأ اٍردم على اللى فات و أنساه حتى لو كان اللى فات
ده بلاط أثرى عمره يتجاوز ال 1600 سنه ..الباب الصغير يقود لداخل الكنيسه الأثريه العجيبه حيث المذبح المقدس و حيث بتقام الصلوات
و أول ما يقابل الداخل عمود رخامى
العمود الرخامى
هذا العمود كان واحد من أربعه موضوع عليهم المذبح المقدس و لم يتبق منهم غير العمود ده بيقال أن جسد الأنبا شنوده رئيس المتوحدين مخفى تحت هذا العمود الجو
داخل الكنيسه كان شديد اللطف و كأن تكييف مركزى بيبرد الهواء على الرغم
من الحر الشديد فى الخارج و أرجعت ده لأرتفاع السقف الشاهق و للقباب
العملاقه اللى بيبلغ اٍرتفاعها حوالى 20 متر ..
يوجد رسم تصويرى غير واضح التفاصيل و لكنه فى المجمل شديد الوضوح
علمت أنه من أشد مقدسات الدير لأنه بيصور الأنبا شنوده رئيس المتوحدين و
قد ظهرت صورته على الجدار بطريقه اعجازيه
و لوحه مرسومه على قبه عملاقه و تعجبت من مقدرة الفنان المصرى القديم
على رسم القباب و زخرفتها و يبدو أن مايكل أنجلو تأثر بهذا الأسلوب لما
رسم سقف كنيسة القديس بطرس فى الفاتيكان .. و شرح لى الراهب بيشوى مغزى
هذه اللوحه و كيف أنها بتعبر عن خالدية الله و سرمديته و هيمنته على ما فى
الكون :
- الأقباط المصريين بيستعملوا فى صلواتهم اللغه القبطيه اللى هى اٍمتداد
طبيعى و اٍبنه شرعيه للغه المصريه القديمه .. و أيضا بيستعملوا اللغه
العربيه لأنها دقيقه تماما كاللغه اللاتينيه اللى بتستعمل فى صلوات غير
المصريين .. أما اللغه السريانيه فبتستعمل فى بعض الكنائس العربيه و خاصة
فى سوريا ..
الأيقونه دى بقى مصنوعه من خشب الجوز و محفوره يدويا و هديه من دير فى اليونان و بجد تحفه رائعه :
و أما الأيقونه دى
فللأنبا شنوده رئيس المتوحدين .. لاحظوا التناقض الرهيب ما بين الجدار
الحجرى اللى فى الخلفيه و مابين الدولاب الألوميتالاللى عليه الأيقونه ..
الحقيقه و الحق يقال اٍن الراهب بيشوى لم يترك لا صغيره و لا كبيره مما
لفت نظرى بداخل هذا المكان اٍلا و قد وفاه حقه من الشرح المفصل اللى بيبين
مدى سعة أفقه و اٍطلاعه و بلغه سهله سلسه و لم تفارقه اٍبتسامته الودوده
أبدا ..
لما سألت الراهب بيشوى هل فيه مسلمين بييجوا يزوروا الدير ؟ أكد لى أنه
فيه مسلمين كتير جدا من أهل الصعيد و من المحافظات التانيه بيواظبوا على
زيارة الدير و أنه نشأت صداقات كثيره بينهم و بين الرهبان هنا و أنه لافرق
عندهم بين مسلم و مسيحى لأننا فى النهايه جميعا مؤمنين بالله الواحد خالق
الكون ..
- طيب يا أبونا على حسب ما أعرف فلكل دير معجزاته المشهور بيها .. فهل ياترى أيه هى معجزات الدير الأبيض ..
بدون تفكير جاوبنى الراهب بيشوى :
- معجزات الدير الأبيض بتتركز فى حل المشكلات الدنيويه و خروج الأرواح الشريره اللى بتتلبس أجساد البنى آدمين ..
-و خرجنا من الكنيسه للفناء الخارجى مره تانيه .. و أخبرنى
الراهب بيشوى أنه كان فيه بئر خاص بالدير تم حفره من حوالى 1500 سنه و ظل
الرهبان و الزوار يستعملوه على مدار هذه السنوات الطوال لحد ما دخلت مياه
الحكومه للمنطقه فأصبح البئر مهجور و غير مستعمل فتمت تغطيته من حوالى 12
سنه فطلبت أنى أشوفه ..
فأنتقلنا للطرف الآخر من الفناء الخارجى .. و كان فيه مجموعه كبيره من
الشباب و البنات الأقباط بيتبادلوا الحديث ربما بشكل غير مألوف فى الصعيد و
خاصة فى مثل هذه المنطقه القاصيه منه و تبادلوا معايا الاٍبتسامات
الودوده مرحبين على عادة الصعايده تجاه الغرباء ..
اٍجتزنا بوابه حجريه صغيره للغايه بتؤدى لشبه ردهه مستطيله شاهقة
الجدران الحجريه كوه رائعة البناء قد شدت بأعمده و قضبان حديديه أخبرنى
الراهب بيشوى أن خبراء من هيئة الآثار وجدوا شروخ فيها فقرروا أن يسندوها
بتلك الأعمده و القضبان و الحديديه !!
- ..
و جنب الكوه دى توجد بقايا أعمده حجريه أثريه بتيجان على شكل زهرة
اللوتس الفرعونيه أغلبها محطم و مرميه فى اٍهمال يصعب على قلب الكفار !!
أهيه :
الأعمده و التيجان ساحرة النقوش دى لو كانت فى بلد تانيه كانوا عملوا لها متحف لوحدهم .. الدرجتين الحجر اللى فى الصوره دى بيؤدوا لممر كل جدرانه و أرضيه و سقفه من الحجر و الممر ده بيؤدى للبئر .
ده الممر الحجرى :
و دى المفاجأه .. تأملوا الصور كويس كده :
المفاجأه اللى أذهلتنى - جدران و سقف هذا الممر العجيب يمتلىء بالنقوش
الفرعونيه على أحجاره !! و بعض هذه الأحجار وضعت مقلوبه و كذلك النقوش
بالتالى مقلوبه !هذا يعني اٍستعمال هذه الأحجار كخامات للبناء فقط !!
.. فعلا غالبية أحجار الدير متاخده من معابد فرعونيه
قام بفكها بناة الدير الأوائل اللى آمنوا بالمسيحيه لما بدأت تنتشر فى
الصعيد و حاربوا الوثنيين اللى كانوا لسه بيعبدوا آلهة الفراعنه وأستعملوا
أحجار معابدهم فى بناء الأديره و الكنائس ..
أعربت له عن دهشتى من هذا الاٍكتشاف اللى بالنسبه ليا اٍكتشاف يعنى فقال ببساطه :
. كتير أوى من بيوت الصعيد القديمه مبنيه بأحجار المعابد و القصور
الفرعونيه .. ماتنساش أن المنطقه بتسبح فوق بحر من الآثار الفرعونيه اللى
لسه الكتير منها لم يكتشف نرجع مرجوعنا للممر العجيب الموصل للبئر المهجور ..
فى نهاية الممر على
الشمال يوجد البئر و هو مغطى بغطاء حديدى كبير و يطل على كشك بيع
الايقونات والصورالقبطيه و البئر أصلا موجود فيما يشبه الصاله المربعه
المغطاه و على جدرانها توجد كوات كبيره بيضاوية الشكل
رجعنا تانى عبر الممر الحجرى العجيب لبهو الأعمده الخارجى .. و الراهب بيشوى كان بيستكمل سرده الشيق لتاريخ الدير
و لما طلبت منه أزور القلالى ( جمع قلايه ) الخاصه بالرهبان و هو المكان المخصص لكل راهب للقراءه و الصلاه و التأمل اٍعتذر فى لطف سألته عن طبيعة حياته قبل ما ينخرط فى سلك الرهبنه فأجابنى فى اٍقتضاب :
- كنت بأشتغل فى سلك النيابه ..
..
اٍقتربت الزياره من نهايتها بعد ما قضيت حوالى 3 ساعات ضيف على الدير
الأبيض و فى صحبة الراهب بيشوى الهادىء الوديع المثقف اللطيف دائم
الاٍبتسام ..
و وصلنا عند الباب الخارجى للدير و بجوار كشك بيع الايقونات والصور لفت نظرىباب
نقش قديم جدا باللغه القبطيه كتبه أحد الرهبان كتمجي دو قد بدأ فى التآكل
للأسف الشديد كمعظم النقوش الحجريه البديعه اللى بتزين أسوار الدير بسبب
الاٍهمال الشديد و عوامل الزمن .. و قد قدر الراهب بيشوى عمر هذه الكتابه
بحوالى 1000 سنه
ان القديس الانبا شنودة رئيس المتوحدين له فى سوهاج اثنين من الاديرة الاثرية