بسم الثالوث الأقدس الملوكي
الآب والآبن والروح القدس الإله الواحد آمين
عظة أبينا القديس أنطونيوس الكبير
ابن البركة
ابن البركة ينبغي عليه أن يصنع سيرة تصلح للبركة،
كمثل واحد يريد أن يقتني الغنى لذاته، فيجب عليه أن يجعل لنفسه طقس التجار وجهادهم،
لأن كَلاً منهم يجعل لنفسه قريحة في معرفة الكتابة،
لكي يكون بارعاً في معرفة لغة الألسن،
ويُدرب فاه لجواب الكلام بعقلٍ،
ويتعلم الحكمة ويصير في صفات تليق بالغنى.
هكذا كل ابن مؤمن يريد أن يتعلم شكل الطهارة: يجب عليه بالحقيقة أن لا يكون فيه شيء من كلام الكذب،
ويُعلَّم نفسه أن تكون له قريحة غير منحلة،
وكلام ممتلئ نعمة وحلاوة واتضاعاً،
ويكون باشاً ( بشوشاً ) أمام كل أحد،
ويدرس كلام الحكمة في الكتب المقدسة لكي يكون ضميره مجرباً منها،
وان يستقصى ويفحص الليل والنهار في اقتناء مخافة الله الخالق،
ويجعلها في قلبه ولسانه هذه التي يُضيء كل نور من قِبَلَها؛
لكي ينظر ويبارك ضابط الكل على عجائبه التي خلقها في نفسه؛
لكي يزرع القوة في قلبه ليزيد المجد والكرامة التي للقديسين، هذه التي قد اقترب دخوله فيها.
فإن كانت إرادتك يا ابني أن تُعَدَّ من الجزء الكريم،
فتدرج قليلاً قليلاً وتمسّك بالوصايا تلك التي تحيا بها.
وكُن كلّك في الصفة المقدسة وليكن النور مُشرقاً في كل أعمالك.
ألْق عنك نوم الظلمة هذا الذي يصنع الغفلة في نفسك لكي تتأمل الطريق المقدسة وتعرف مَنْ الذي يسرقك ويُريد أن يضلّلك ويخسَّرك حياتك ويُبعدك من المجد الكريم.
أسمع الآن وأصغِ بقلبك إلى كلامي،
وتمسّك به بنفسك وافهم.
من أجل هذا أنا أُسلَّمك إلى خالقك،
واجعل الملائكة المقدَّسين يلتصقون بك ولا تتألم،
وتبعد عنك جميع الأرواح الماكرة الشريرة.
تأمل أشكال المُضلّ وأعوانه هذه التي أقولها لك لكي تتحفظ منها:
لأنهم مراراً يمسكون قلبك ولا يتركونك تتأمل شيئاً من الأفكار،
ويطَّيبون قلبك كأنك قد صرت في هدوء،
وأنت تعلم أنهم يصنعون هذا الفعل حتى ينزعوا الظنّ الحسن منك.
ودفعات أخرى يجلبون عليك بسرعة ضيق الصدر والتهاب القلب،
وبالأكثر يطيَّبون قلبك كأنهم يصنعون معك شفقةً،
فانظر لا تأتمنهم فهم إنما يصنعون هذا لكي ينزعوا منك حلاوة الروح.
ودفعات أخرى يمسكونك في طول الروح قائلين: إن هذه حكمة قد وصلت إليها.
فلا تُسلّم روحك إليهم، واعلم أنّ مِنْ قِبَل هؤلاء يُزرع فيك المكر وتُنزع منك الوداعة .
ودُفعات أخرى يُحلُّون لك الضحك والانبساط قاصدين بذلك أن يطيبوا قلبك بأن تصنع هذه كأنها وداعة،
فلا تسمع منهم في هذه الأحوال،
واعلم أن قصدهم في هذا الذي يصنعونه إنما هو لكي يثيروا عليك أوجاع الشهوة الرديئة من مصاحبتهم الشريرة،
ويجعلوا محبتك تظهر فتبعد خارجاً عنك وأنت لا تعلم .
ودُفعات أخرى يأتون إليك جهاراً،
ويُلقون في قلبك حزن عمل اليدين،
لكي تتفرّغ لسماع الأفكار الشريرة والخواطر الباطلة،
فيصنعون هذا لكي يجعلوك غريباً من حلاوة العلم المقدس.
ودُفعات أخرى يُلقون في قلبك سهام المجد الفارغ،
لكي تنظر إلى أشياء كثيرة بأشكال مختلفة لكي يبرَّروك في قلبك،
حتى أنك تقول في نفسك إنَّي كريم أكثر من كل أحد،
فلا تسمع منهم فإنهم يصنعون هذا لكي يُبعد الإله الحقيقي الاتضاع خارجاً عنك.
كما أنهم يجلبون فكراً آخر بمكر على الإنسان ليقتلوه في الهدوء بكلام خفي رطب وانفراد عن الناس ليس فيه حق،
فلا تتبعهم في هذا الشكل الآخر، فإنهم يصنعون هذا لكي يُكثِّروا الباطل بالتبرُّر.
ولهم شكل آخر يجلبونه عليك حيث لا تعلم مَنْ هم الذين يأتون فتتبعهم،
فيُلقون في قلبك أن لا تتوانى ولا تضجر عليهم،
فلا يطيب قلبك مع أفكارهم بهذا الشكل لأنهم يصنعون هذا لكي يجدوا السبيل عليك ويشككون بأنه في يوم الحكم لا يُغفر لك،
وأيضاً المجاوبة لَمْن هم أكبر منك عندما يبكتونك، فيطيبون قلبك أن تضمر بأن "هؤلاء أشرار واللوم عليهم وانا بري"،
فلا تتوانى وتتركهم يُلقون عليك هذه الأفكار،
فإنهم يصنعونها لكي ينتقموا منك لأنهم بلا رحمة ولا شفقة.
وشكل آخر يضايقونك به: أن تتفرس في الأشخاص الذين صورتهم حسنة لكي تهرب منك طهارة البرّ.
ثم يحضرون إليك ويُلقون اهتماماً في وقت الصلاة بأفكار دنيوية في قلبك،
وفرحاً بغير فزعٍ لهذه السيرة الباطلة،
لكي يتركوك عادماً من الأعمال المصطَّفية (المختارة الحسنة)،
ويجعلوك غريباً من الأجر الحقيقي عندما تكمل الإرادة (في طاعة الشر).
ومتى وقفت في الصلاة فقبل كل شيء يجتهدون أن يُغطوا قلبك بالظلمة ولا يتركونك تجد كلمة تقولها.
وبعد هذا إذا عرفوا أنهم لا يقدرون أن يقاوموك في هذا الشكل الآخر،
فإنهم يُلقون فكر تفسير الكتب في قلبك،
لكي تُفكر فيها أنها ليست صحيحة ولا واضحة،
ثم يُرخون مفاصلك ويُرعِدون جسدك قليلاً،
فلا تُسلِّم ذاتك إليهم يا ابني، فإنهم يصنعون هذا لكي يجعلونك غريباً عن الطريق التي اشتهيتها التي هي ملكوت الله،
وتشتهي أوجاع نار جهنم.
الآن يا ابني تحفَّظ من هذه كلها،
وكُن مستقيماً في الصلاح بصلوات تفوح منها روائح الطيب،
وبركات ممتلئة ثماراً،
وطلبات كاملة بكل بشاشة،
لكي تفرح الملائكة المقدسون معك،
والجنود السماوية يتهللون بك ويُساعدونك حتى تُحسب مع جماعة القديسين،
وتكون ابناً للمبارك وتتمجد مع الخالق،
هذا الذي له المجد والكرامة إلى آباد الدهور كلها آمين.
عن كتاب روضة النفوس في رسائل القديس أنطونيوس
طبعة عام 1899م ص 180
أنظر فردوس الآباء ( بستان الرهبان الموسع ) الجزء الأول
إعداد رهبان بريَّة شيهيت ص 109 – 111