سلسلة الحب الزوجى مثال على حب المسيح للكنيسة
الحب الحقيقى - العامل الرابع : الإلتزام الزوجى
لا حب جنسى إلا من خلال الزواج , و لا زواج إلا من خلال الحب
لأن كل حب خارج الزواج يحمل جرثومة تحطيم نفسه إذ يكون فاقداً القدرة على تكوين الشركة ...
فالنفس البشرية لا تستطيع أن تجرد الحب الجنسى من تعبيره الطبيعى الجسدى , فالجسد فيه لابد أن يكون له نصيب , و هى لا تستطيع أن تقاوم بصفة مستمرة فرصة حمل الثمار إذ أن الحب الجنسى الحقيقى لا معنى له بدون العائلة و الطفل
يرى "سورين كيركجارد" مؤسس الوجودية المسيحية أن الزواج يقضى على الحب !!! و نحن هنا نخالفه الرأى
و وجهة نظر كيركجارد أن عاطفة المشاركة التى تنشأ بين الرجل و المرأة لابد من أن تضعف تحت تأثير الحياة العادية الرتيبة , و أن هناك استحالة تحقيق توافق بين حياتين روحيتين غير متكافئتين , كما يرى عدم تساوى الطرفين المشتركين بحيث لا يستوعب أحدهما الآخر ...
و تمتد أخطاء كيركجارد إلى حد أنه يتهم المرأة بالأنانية فى الزواج عندما يقول أن المرأة تلتهم الرجل بمجرد أن يصبح زوجاً لها ... أى تستغلّه أسوأ استغلال
و نحن نخالف هذا الفيلسوف لأن الزواج ليس هكذا فى المسيحية , فالمرأة لا تلتهم الرجل , و لا الرجل يجرى وراء شهوته الجامحة فى الزواج ...
لأن المسيح فى سر الزيجة يلغى عقدة النقص عند المرأة و عقدة التسلط عند الرجل . فالمرأة لا تعود تصبح ابنة لحواء تسعى إلى امتلاك الرجل لشعور دفين بنقصها عن الرجل , و لا الرجل يسعى لإذلال المرأة و السيطرة عليها لشعور عميق بالتعالى عليها ...
ففى المسيح يسوع ليس ذكر و لا أنثى , بل الزوجة تهب و تحترم زوجها , و الزوج يحب زوجته كنفسه , و هكذا فى إطار سر الزيجة تختفى العلاقات الناجمة عن العصيان و تظهر العلاقات الناجمة عن الحياة الجديدة التى فى المسيح يسوع
مقومات الحب الحقيقى - العامل الثالث : الجاذبية و الإلهام
عندما يكون الإنسان جسدياً , فإن ما يجذبه إلى الآخر هى الأمور الجسدية ... و عندما يكون الإنسان نفسانياً , فإن ما يجذبه للآخر هى الأمور النفسية ...
و عندما يكون الإنسان روحانياً , فإن ما يجذبه تجاه الآخر هى الأمور الروحية ... و فى إطار الجنس فإن الجاذبية هذه لها عدة مستويات
المستوى الأول : الجاذبية الجسدية البحتة
و هذه تكون عند المراهقين غير المتديّنين عندما يكونوا مسوقين بشهوات أجسادهم فإنهم ينجذبون إلى كل فتاة لا لشخصها و إنما عشقاً فى جسدها .
و هذا العشق الجسدى هو أحط أنواع الحب الجنسى كما سبق و قلنا , لأنه متغير , أنانى , ترابى , لا يحقق الوحدة و لا يُشبع النفس الإنسانية
المستوى الثانى : الجاذبية النفسية
هذه تكون عند الذين انتهوا من مرحلة المراهقة و لا يزالوا يعيشون حسب الجسد . فنجد هنا الطالب الجامعى ينجذب نحوالفتاة لا لأجل جمالها و إنما لأجل قوة شخصيتها و غزارة علمها و رزانة طبائعها
و هذا الإنجذاب , و إن كان أرقى من سابقه , إلا أنه _ مسيحياً _ يُنظر إليه على أنه ترابى المصدر لأن الجسدانية و النفسانية هى خصائص المولودين من الدم و مشيئة الجسد كما عبّر القديس يوحنا . و حينما تكون الجاذبية الجنسية لا شخصية تكون ينبوعاً لأبشع الإنحطاطات و أذل العبوديات للنفس الإنسانية
المستوى الثالث : الجاذبية الروحية
هذه تكون لدى الناضجين الروحيين الذين تخلصوا من الربط النفسية التى تشدهم نحو التخلف و عدم التقدم , و الذين صلبوا الجسد مع الأهواء و الشهوات , و الذين عرفوا كيف يعيشون حسب الروح و ليس حسب الجسد
هؤلاء فى نضجهم يحدث عندهم إلهام و نداء و جاذبية لا يكون مصدرها الجسد و لا النفس , و لكن الروح أولاً و قبل كل شئ
و فى هذا المضمار تتحول الغريزة و جاذبية الدافع الجنسى إلى نوع من السرية , و يصير الحب فيها نداء , أو دعوة صافية شفافة نقية
ليس معنى هذا أن الشاب الروحى المتقدم إلى الزواج تخلو الجاذبية الروحية عنده من القبول الجسمى و النفسى , و لكن عناصر الجسد و النفس خاضعة عنده للنظرة الروحية و الإلهام الإلهى و الإتجاه الروحى المسيحى الحقيقى
و كما حدث لتلميذى عمواس إلهاماً عند كسر الخبز , فإن هذه اللحظة المباركة موجودة أيضاً فى الحب . إنها لحظة طاهرة جداً , فيها يتذوق الأحباء طعام الملائكة , و يتعارفون فى استعلان مباشر فجائى , و كما يشق البرق الظلام يرى الأحباء بعضهم بعضاً ...
فالمحب يرى نفسه فى المحبوب كما فى مرآه , كما يستجيب الوجه للوجه فى الماء هكذا قلب الإنسان يستجيب لقلب الآخر --أمثال سليمان 27 : 19
و الذى يضمن للشاب الروحى القدرة على تحمل متاعب الحياة الزوجية و التحديات الكثيرة أمامها , أنه إذا ذبلت النضارة الجسدية و تعرضت للأمراض و العلل المتوقعة , و إذا أصابت الشخصية المحبوبة بعض المتاعب النفسية و الضيقات الداخلية غير المُستغرَبة ,
فإن رابطاً قوياً لا ينفصل يبقى بين الزوجين المحبين , ألا و هو الاتحاد الروحى و الانسجام القلبى الروحى الحقيقى القائم على النظرة السليمة المشتركة ,
و الهدف الواحد , و الحب الواحد , و الإيمان الواحد , و الرجاء الواحد , و الثقة و اليقين الشديد فى اختيار الله و دعوته لكل واحد منهما و تدخُّل الله الواضح فى حياتهما
مقومات الحب الحقيقى - العامل الثانى : الحرية
يرتبط بالنضج النفسى و الجسمى و الروحى عامل الحرية أيضاً لأنها أهم علامة للرجولة و النضج
و نقصد بالحرية هنا التحرر الداخلى و الخارجى ...
أما التحرر الداخلى فهو ما ذكرناه فى المقال السابق أن يكون الإنسان قد تخلص من مركزية الأنا و عقد النرجسية و الأوديبية و الرومانسية
و التحرر الداخلى على الصعيد الروحى هو الإلتقاء مع ابن الله كى يصير الإنسان حراً غير مستعبد لخطاياه , صالباً الإنسان العتيق و الأهواء و الشهوات ...
أما التحرر الداخلى على الصعيد النفسى فهو النضج و النمو النفسى السليم
قد يبحث المحب لا عن قرين أو رفيق , بل بديل للأب و الأم , و ذلك فى حالة تعلق البنت بأبيها تعلقاً جنسياً لا شعوريا , أو تعلق الشاب بأمه ... و الحب الشعرى ينمو فى الغفلة و الأحلام , و كثيرا ما تكون نتيجته الخيبة و اليأس
أما الحب الذى يريد أن يكون رباطاً قوياً وثيقاً بين اثنين جسماً و قلباً و روحاً , و أن يكون درعاً قوياً لوقاية الزوجين من أحداث الدهر فيجب عليه أن يكون يقظاً من حين لآخر , و أن يقوم على دعامة الوجدان و الفكر المستنير ...
إن الإلحاح الذى يبديه أحد الزوجين فى أن يكون الآخر شبيهاً به كل المشابهة لا يرجع إلى قوة الحب و كماله بل إلى ضعفه و نقصه ... إن الشخص هنا لم يتحرر من عبوديته لنفسه
الحب و الحرية يطرحان الخوف و القلق إلى خارج
و إذا كان كل من المحبين يشعر بأنه يهب نفسه للآخر فى جو من الحرية و التقدير المتبادل فلا شك أن هذا الشعور بالحرية أقوى عامل من عوامل إسعاد الحياة الزوجية و تدعيم أواصر الحب و الاتحاد
أما الحرية الخارجية فنعنى بها ألا تكون هناك ظروف خارجية ضاغطة يعيبها الفرد عند تحديد شريك حياته , كأن تكون الفتاه ملزمة بالتزوج من شاب لأنه يحمل صلة قرابة لها كما تفعل بعض العائلات أحياناً , لا مانع من أن يحصل هذا الترابط و لكن بشرط ألا يكون تضحية إجبارية من الطرفين تنغص على الجميع حياتهم
إن وجود شرط يمنع حرية الإنسان فى اختيار من يحبه , هذا يهدد الأسرة منذ بداية نشأتها ... و ما نقوله عن العلاقات الأسرية نقوله أيضاُ على وجود عامل حتمية الإلتزامات المادية فى العلاقات الزوجية التى إن دلت على فقدان شرط الحرية الخارجية فهى أيضا تدل على فقدان الحرية الداخلية .
و معنى ما نقوله , أن المال و الأثاث و ما يتعلق بهما لا يلزم أن يكون عاملا متحكماً فى علاقات الإنسان بمن يحبه و يختاره شريكاً لحياته
يقول باسكال إننا لا نستطيع أن نحب حبا كافياً إلا إذا أحببنا حباً زائداً , و ربما كان الحب هو الشئ الوحيد الذى لا يكون جميلا إلا إذا ارتبط بالإفراط و السرف , فإن المعيار الأوحد للحب هو أنه ليس له معيار
مقومات الحب الحقيقى - العامل الأول : النضج بكل معانيه
بالرغم من أن عملية النضج نسبية , و أن الانسان كلما تقدم فى حياته يرى نفسه فى احتياج إلى نضج أكثر و أعمق , إلا أنا نعنى بالنضج هنا تكامل الشخصية فى نموها الجسمى و النفسى و الاجتماعى و الروحى
أ - النضج الجسمى
هذا يتطلب عناية بالبدن منذ الطفولة , و اهتماماً واضحاً من الأم بعمليات التغذية و الصحة و النظافة و كافة العمليات البيولوجية الأخرى فالإنسان الهزيل فى صحته و المريض دائما فى بدنه , و الذى يحمل عاهات مستديمة واضحة قد يتعطل استعداده للحب الحقيقى , لأن الجسم يشارك الروح جميع عمليات الشركة بين الزوجين
و الشاب أو الفتاه التى تعتنى بنظافة و صحة بدنها و تحمى جسمها من العادات الجنسية الرديئة , و ترفض أن تجرح عفة جسدها حرصا على الحياة الزوجية المرتقبة , إنما تمثل نموذجاً طيباً لمن يفهم حياة العفة و يقدّر قيمة النضج الجسمى فى الحب الحقيقى
ب - النضج النفس و الاجتماعى
و هذا يعنى الفطام و الانفكاك من جميع الأربطة النفسية التى تعطل انطلاق النفسية نحو النضج الحقيقى , فالطفل النامى هو الذى تخلص من النرجسية ( التعلق الشديد بذاته و جسمه ) و عقدة اليكترا ( الارتباط النفسى غير السليم بالأم أو الأب ) ..
إنه ما أن يصل إلى المرحلة الابتدائية حتى يكون قد أصبح مستعداً للاستقلال الشخصى , حتى إذا جاءت مرحلة المراهقة فإنه يعبرها فى اتزان و هدوء و وعى و بصيرة رافضاً العلاقات العاطفية السطحية , حريصاً على أن يحفظ طاقاته النفسية كذخيرة لازمة للحياة الزوجية المرتقبة
فى الطفولة يقول الطفل إنى أحب لأننى محبوب
و فى المراهقة يقول المراهق إنى محبوب لأننى أحب
و فى النضج يقول الشاب إنى أحب لأننى لا أستطيع إلا أن أحب
إن العجز عن الحب ينبع من فقر الشخصية .. أما الشخصية الممتلئة فى الداخل , و لها سر كيانها الداخلى , الغنية بالتفاؤل و الإيجابية فهذه هى القادرة على أن تحب و تبذل بذلا حقيقيا
جـ - النمو الروحى
المقصود بالنمو الروحى هنا أن يكون الشاب قد تذوق محبة الله و عذوبته , و صارت له شركة مع الرب و فى عشرة يومية و ألفة مستمرة و علاقة تزداد رسوخاً بتوالى الأيام
و علامات هذا النمو أن يكون الشاب واقفاً ضد ذاته و أنانيته مستعد دائماّ للتضحية و البذل , و أن يكون عفيفاً جنسياً قد تغلّب على شهوات الجسد و أهوائه و صارت له الحواس الطاهرة و العين البسيطة و القلب النقى , و أن يكون قادراً بنعمة الله على القيام بعد السقوط و العثرة مستفيداً من العثرة كى لا يسقط ثانية
و هذا النمو الروحى لازم للحب بين الجنسين لأنه الشرط الأول لقيامه و ضمان نقاوته و طهارته و نظافة جوهره
ما الذى يطمئن الشاب أن النداء الداخلى و الإلهام و الانجذاب نحو الآخر هو حب و ليس عشقاً ؟؟ إلا إذا كانت شخصيته لها حياة روحية صادقة , و عندها برهان داخلى أن روح الله يعمل بوضوح , و أن الضمير صادق و مخلص لله و غير منقسم
فالحب الذى ينسكب بالروح القدس فى قلب الشاب هو وحده القادر أن يقدس مشاعره و أفكاره و حواسه و يؤهله لمذبح الزيجة المقدسة و مضجعها الطاهر
بين الحب و الشفقة
هل الشفقة و العطف على إنسان من الجنس الآخر تعتبر نوع من الحب ؟؟؟؟
هناك شفقة قد تكون مظهر من مظاهر الإذلال للشخص الذى نشفق عليه , ذلك عندما تحمل الشفقة معانى الاستعلاء و عندما يجرح المحسن كرامة الشخص الذى يعطف عليه ...
و هذا ما يحدث عندما يعطى إنسان غنى متكبر أحد الفقراء لكى يمتع نفسه بإذلال الشخص الواقف على بابه فترة طويلة ينتظر احسانه
و بالنسبة للجنس الآخر فقد تكون أعمال الشفقة نوعاً من الخداع الجنسى الذى تحدّث عنه فرويد كثيراً , فالشاب المراهق الذى يذهب ليساعد قريبته أو زميلته الطالبة فى مادة الرياضيات أو اللغة الانجليزية ( على سبيل المثال ) , و هو هادف إلى التلذذ بالنظر , إنما يحمل عمل الشفقة عنده خداعاً جنسياً يلزم مواجهته
و الطبيب الذى يشفق على ممرضته اليتيمة ليس لأجل يتمها فحسب و لكن لأجل جمال جسدها أو رقة شخصيتها و رغبة منه فى إيجاد علاقات تعاطف بينهما , إنما يخفى وراء عمل الشفقة بداية عشق جنسى يحتاج إلى مصارحة و كشف أمام الضمير
و الحب الجنسى أحياناً يأتى على أعقاب شعور حاد بالشفقة , و لهذا يلزم أن يمتحن الإنسان نفسه فى علاقات الشفقة مع الجنس الآخر سواء كان متكافئاً أو غير متكافئ فى السن أو المركز الاجتماعى حتى لا ينزلق إلى هاوية العشق ... و إذا أحس الإنسان بانجذاب عاطفى فليفحص نفسه لئلا يكون مسوقاً بالغرائز و الانفعالات ...
أما إذا وجد الحب عنده متوفر الشروط من إلهام و عفة و طهارة و نضج و حرية و التزام , هنا تكون عمليات الشفقة قد مهدت إلى زيجة ناجحة خالية من عبث العاشقين و استهتارهم
المصدر
أرسل الموضوع الى اصدقائك فى الفيس بوك