ابني يسأل عن الثقافة الجنسية

د. مصطفى أحمد - بريطانيا

ابني في الحادية عشرة من عمره وهو مغرم بعلم البيولوجي ليس له علاقات واسعة
مع زملائه وهو خامة طيبة لا يعرف المكرَ ولا الدهاء يسألني وأحيانًا يسأل
أمه كيف وصلت كروموسومات أبي إلى بطنك، ولا يقبل إجابة لما تكبر؛ لأنه يشعر
أنه يفهم كثيرًا.

وأنا لا أحبُّ أن يعرف ابني مثل هذه المعلومة في بادئ الأمر من أصدقائه كيف
اشرح له هذه المعلومة وفي أي سن يجب أن يتعلم الطفل ما يُسمونه الثقافة
الجنسية إن صحَّ التعبير؟

يرد على الاستشارة الأستاذة عائشة جمعة

الأخ الدكتور مصطفى: حفظك الله وحفظ ابنك من كلِّ سوء، وجميل هذا التناغم
التربوي، لديكم بيئة مثقفة ومحافظة، وفيها رعاية طيبة، ونزوع نحو الحال
الأمثل, ما شاء الله.

من الطبيعي- أخي الكريم- أن يسأل الطفل، فعقله لم يُكبَّل بما يحول بينه
وبين التفكير الصحيح السليم، وبسبب رعايتكم الكبيرة لهذا الشبل فإننا نجده
ينهل من الثقافة، وحال هذا الطفل مبشر بالخير بإذن الله، ومن كان اهتمامه
بالعلم والتعلم والفهم عن طريق القراءة والسؤال فسيكون متقبلاً للجواب الذي
يحمل صبغة العلم ليتعلم، ولا وقت للمعلومة أنسب من استعداد المتعلم
لتلقيها، ومحب العلم عينه مفتوحة على المعرفة، وهو لاقط جيد لما يدور حوله،
كما أنه يُجيد فن القياس والتعميم.

والحياة قائمة على المزاوجةِ بكل أنواع مخلوقاتها، وقد تقع عين الطفل على
التقاءِ زوجين من الحيواناتِ في حديقة الحيوان، أو في زيارة للريف ومشاهدة
الحيوانات هناك، كما أن الإعلام كان صريحًا وأحيانًا قبيحًا بما ينقل من
إيحاءاتٍ أو تصريحاتٍ بهذا الخصوص، وكذلك توافر وسائل الاتصال كالإنترنتِ
أدَّى إلى وصول هذه الفكرة إلى كثير من الأطفال، والتنبه إليها قبل أوانها.

ذكرت لي إحدى النساء أن ابنها طلب منها أن تُدِّرس له مادة الدين وكان أحد
الدروس يدور حول موضوع الحيض والنفاس والغسل، فشرحت له بصراحة اختلاف تركيب
جسم الأنثى عن الرجل، رسمت له الرحم، والمبيضين وقناة فالوب، وذكرت له كيف
تتم آلية الحيض، وأن هذا خيرٌ للأُنثى حيث يتجدد الجدار ويبقى مستعدًا
لمجيء الجنين، وبعد الحيض يتوجب على الأنثى الاغتسال وكذلك بعد النفاس الذي
تطول مدته تبعًا لكبر حجم الرحم مائتي مرة عن حجمه الأصلي، وكذلك جعل الله
الناس أزواجًا، والزوجان تربطهما علاقة حب وتقارب، وهذا لا يجوز إلا من
زواجٍ شرعي، ومن هذا التقارب وهذا الود يأتي الأولاد.

قالت لي: إنه كان يبدو على ابنها الارتياح وهو يستمع، لكنها اكتشفت من خلال
النقاش أنه يعرف الكثير إلا أنه أحب أن يستمع للمعلومة من أمه كما تعود أن
يتلقى منها كل معلومة.

وأضافت: كان ابني تحت سمعي وبصري ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولم أكن أتوقع
أنه يعرف كل هذا، سألته بهدوء: من أين وصلت لك هذه المعلومات؟

فقال: عندما أعطانا الأستاذ هذا الدرس كان محمر الوجه مرتبكًا، واختصر، ثم
تَرَكَ الصفَّ وما كان من كان في الصف إلا حكى ما عنده، إنهم كانوا ثلاثين
طالبًا، كل واحد حكى ما عنده!

قالت لي: هنا وجدت أن عليَّ أن أتحدثُ عن المنهياتِ في هذا الشأنِ ورأي
الإسلام في العفة، والتحصين بالزواج، وأهمية حفظ السمع والبصر والفؤاد.

إذن الطفل كان على علمٍ بهذا بذكائه المعهود، وكثرة مَن يرى في المدارس إلا
أنه كان يريد أن يستمع إلى المعلومة من فم أمه، وقد أحسنت أمه إذ تحدثت
معه بكل جرأةٍ وصراحة، كما أحسنت إذ كانت تسأله عمَّا لديه من معرفة في هذا
الشأن حتى تعرف ما تُعطيه، ولم تُصطدم حين وجدت ما لديه يفوق توقعها، ثمَّ
سارعت إلى إعطائه رأي الشرع والدين.

أخي الكريم: لا تتحرج من ذكرِ المعلومات التي تعرفها بعرضها بطريقةٍ
علميةٍ، ولا تنسَ أن تسأل ابنك عمَّا لديه من خلفيةٍ عن هذا الموضوع، فنحن
نعتقد أن أطفالنا لا يعرفون وهم يعرفون، ولكن يُحبون أن يتأكدوا من سلامةِ
وصحةِ ما سمعوا.

الحوار الهادئ، وتطمين الطفل أن المعرفة من حقِّه، وإدخال الموعظة كل ذلك
يجعل المعلومة راسية وصحيحة ومريحة.

رساله عبر الايميل