انزع عنك رداء القلق!

انزع عنك رداء القلق!

أصدر أخيراً علماء النفس في إسبانيا، التي تشارف على حافة الركود
الاقتصادي، إحصاءات تظهر ازدياد عدد الأشخاص الذين يلجأون إلى المستشارين
لمساعدتهم في التكيّف مع المخاوف المالية.

كيف نقضي على الخوف الذي يستحوذ على حياتنا؟ دعونا نستخلص النصائح من
الخبراء.

في المملكة المتحدة، تُظهر إحصاءات أجرتها مصلحة الصحة الوطنية للعام 2007
أن واحداً من أصل خمسين بريطانياً مصاب بـ{اضطراب القلق العام»، أو القلق
الدائم وغير العقلاني تجاه تعقيدات الحياة اليومية، في حين أن واحداً على
الأقل من أصل عشرة بريطانيين يعاني نوبة الهلع العرضية. مع اجتياح الأيام
المظلمة فترة الازدهار التي لم نشهدها أبداً، قد تبدأ تلك الأرقام بالصعود
قريباً على الأرجح، لكن هناك خطوات كثيرة يسعنا اتخاذها لتجنّب القلق.

اعرف عدوّك

القلق هو «حالة محسّنة من الاستثارة النفسية»، حسبما يحدّده تريفور تورنر،
أحد علماء النفس المستشارين شرق لندن ومؤلّف كتاب Anxiety: Your Questions
Answered. يتابع: «إنه آلية أمان فطرية تماماً ومخصّصة للتعامل مع
التهديدات المحتملة أو الأوضاع التي تطرح تهديداً». كانت تلك التهديدات
تظهر سابقًا على شكل حيوانات مفترسة أو تنافس على الغذاء. اليوم، أصبحت
تتخذ شكل الامتحانات، أو الأوقات العصيبة في العمل، أو المخاوف المالية.
يضيف تورنر: «يعتبر العالم الحديث عاملاً مهماً في إحداث القلق، فنستجيب
بالطريقة عينها، برد مواجهة أو فرار، لأن عقولنا تتخذ موقفاً تحذيرياً».
Sotaliraq.com

علاج

يقول تورنر: «أي تمرين مفيد لمحاربة الشعور بالقلق. تُتعب ممارسة التمارين
بانتظام جسمك، فتنام بالتالي بشكل أفضل. يساعد نموذج النوم بانتظام في
تخفيف حدة القلق، كذلك، تساهم التمارين في التخلّص من بعض المواد الكيماوية
كالأدرينالين الذي يسبب القلق». تقوّي تمارين الأيروبيك، كالمشي أو حتى
المشي السريع فضلاً عن ركوب الدراجة والسباحة، القلب، ما يجعله أقل عرضةً
للضغط الذي يفاقم عوارض القلق الجسدية.

في المقابل، تحذر كار من الإفراط في التمارين بقولها: «يعشق كثر ممارسة
التمارين القوية والقاسية، والضغط على أنفسهم، فيضعون عدّاداً للخطى
وجهازاً لقياس نبضات القلب، وذلك لا بأس به، غير أن إجهاد الجسم بالتمارين
يفرض ضغطاً إلى حد أنني أرى من الضروري تجنّب إيذاء نفسك. إن كنت تشعر بأنك
عاجز عن القيام بخطوة إضافية أو غير راغب في الذهاب إلى النادي الرياضي في
صباح اليوم التالي، لا تفعل، فذلك ليس نهاية العالم».

هوّن على نفسك

تدلّ وتيرة الحياة بالنسبة إلى الكثير على أن الشعور بالقلق لا يأتي
بالفطرة. لكن إن بدت فكرة التمدّد على الأريكة مكروهة في نظرك، توجد تقنيات
تحوِّل الاسترخاء إلى نشاط. يقول تورنر: «أرى اليوغا والتأمّل كتقنيتين
للاسترخاء تحفّزان الذات وتعودان علينا بمنفعة كبيرة».

توافقه الرأي كار: «العلاجات التي تساعد في التخفيف من الشعور بالقلق عبر
الاسترخاء كثيرة، وهي فاعلة لأنها تبعث رسالة إلى الجسم بأنه لا يجب أن
يكون متأهّباً لمواجهة حالة طارئة. من ضمن أكثر التمارين فائدة التي يجب
القيام بها، أن ترخي جسمك عن وعي تدريجيًّا، بدءاً من رؤوس أصابع رجليك، شد
وارخ كل عضلة في جسمك، مطبّقاً ذلك على كامل أعضاء الجسم صعوداً إلى
الرأس. مارس ذلك التمرين وأنت ممدّد أو جالس، وقد يساعدك في ذلك تسجيل
حركات العضلات التي تقوم بها أنت أو صديق لك، فإعادة تشغيلها تعينك على
التركيز. إن كنت تستطيع الإتيان بتلك الحركات يوميًّا، فذلك أمر رائع.
عندما تتكيّف معها، طبّقها في أي مكان، في القطار أو في مكتبك. تفيد
ممارستها لبضع دقائق بقدر ساعة نوم».

تنفّس

يسهل نسيان أمر ما يأتي بالفطرة، لكن يعتبر التنفّس كما يجب من أسهل الطرق
لتهدئة الأعصاب. يقول تورنر في هذا الإطار: «يمكن لفرط التنفّس أن يؤدي إلى
حالة هلع في أي وقت. لذلك، ليس صعبًا السيطرة على شعور القلق عبر تعلّم
التنفس بعمق أكبر بدلاً من القيام بحركات تنفّس قصيرة وخفيفة».

من ناحيتها، توصي كار بدمج تمارين التنفّس مع تقنيات الاسترخاء التي تنصح
بها، فتشرح قائلةً: «يدرك الأشخاص الذين يجلسون أمام شاشة الكومبيوتر طوال
اليوم فجأةً بأنهم لا يتنفّسون فعلياً. من الواضح أنهم يفعلون ذلك، لكنهم
غالباً ما يتنفّسون بوتيرة سريعة جداً أو على الأرجح يقطعون أنفاسهم من دون
وعي في مرحلة ما. عندما تكون في حالة استرخاء، مارس تمرين التنفّس العميق.
إبدأ دوماً بحركة زفير للتخلّص من الهواء في الرئتين، شدّ معدتك إلى
الوراء لتتمكّن من إخراجه بشكل أفضل، من ثم قم بحركة شهيق عميقة عندما يحلو
لك».

يعتبر تورنر أن التنفّس يؤدي دوراً في نوبات الهلع. يقول: «الحل الأمثل هو
ذلك الأبسط. تنفّس في كيس ورقي لتتنشق هواءك الخاص، فذلك يفيدك في الحفاظ
على ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون لوقف الشعور بالدوار أو خفة الرأس».

طعام

تصرِّح كار: «يؤثر الطعام الذي نتناوله في كل شيء، فإن وضعنا فيه الأوساخ،
لا يسعنا إلا أن نتوقّع نتائج سيئة». يعتبر تورنر أن من المهم تفادي كل ما
يمكن أن يحفّز جهازنا العصبي، الأمر الذي يعزز ردّ المواجهة أو الفرار تجاه
الأوضاع المقلقة. يضيف: «سينبّهك شرب الكثير من الكافيين في القهوة أو
الشاي والشـوكولا بشـكل مفرط، وسـيؤثر النظام الغذائي الغني بالسكر في
شهيتك. أعرف أشخاصاً يعانون من مشاكل قلق سيئة ويقولون إن ارتشاف نصف فنجان
من القهوة يصيبهم بالتعرّق، لذلك لا يتناولون مثل تلك المشروبات».

رفض

توضح كار: «لا أستطيع أن أشدّد كفاية على مدى أهمية ذلك، لكن يتعرّض الناس
راهناً للكثير من الضغوط، لا سيما أولئك الذين يعملون لساعات طويلة ويبذلون
قصارى جهدهم لمحاولة تحقيق أهداف مستحيلة. لذلك، يغيب لديهم أي توازن بين
العمل والحياة، بل وحده العمل يشغل حياتهم، ويشعرون بحالة سيئة لأنهم
يعيشون تحت ضغط كبير. خلقت الحياة للاستمتاع بها، وغالباً ما تتمثّل أبسط
طريقة لتخفيف القلق في قول «لا»».

لا ينطبق «الرفض» في مكان العمل فحسب، يقول تورنر: «نميل إلى إخبار أنفسنا
تلك الأكاذيب البسيطة، لا سيما في الأحوال الاجتماعية. عليك أحيانا أن تسأل
نفسك، هل أحب فعلاً التحدث إلى هؤلاء الأشخاص لأنهم يثيرون اهتمامي أم
لأنني أجد نفسي مضطراً؟ يسهل أن نشعر بأن الأشخاص الآخرين يستحوذون على
اهتمامنا، لكن تكمن الحياة في القيام بالأمور التي تحبها، وليس في إجبار
نفسك على القيام بما لا ترغب فيه».

بديل

لدى أولئك الذي يسعون إلى علاجات بديلة خيارات واسعة لم يعهدوها سابقا. في
الوقت الذي يشكك فيه كثيرون ببعض بالعلاجات المطروحة في الأسواق، يمكن أن
تبرهن جميعها عن فاعلية في مكافحة القلق. تعقّب كار قائلةً: «تعمل تلك
العلاجات وفقاً للمبدأ عينه، سواءً كانت علاجاً بالعطور، أو وخزاً بالأبر،
أو علاجاً بالبلورات، فهي تساعدك في الاسترخاء وهناك احتمال في التحدّث إلى
الآخرين، وكلا الأمرين مفيد، بغض النظر عن الطريقة التي تحقّق فيها هاتين
النتيجتين. أما العلاجات الجسدية كالبيلاتز (مجموعة من الحركات البدنية
مصمَّمة لتقوية الجسم وتحقيق توازنه تصحبها أنماط من التنفّس المركّز)
والتدليك واليوغا فجميعها مفيدة جداً نظراً إلى قدرته على تحقيق حالة من
استرخاء الجسم، لأن تشنّج العضلات مساهم أساسي في الشعور بالقلق. كلها
علاجات غير مؤذية، ويخرج أشخاص كثر منها بحال أفضل مما كانوا عليها عند
دخولهم».

مع ذلك، تقترح كار علاجاً بديلاً آخر، تنصح: «إستمتع بحياتك بكل بساطة،
فلهذا وُجدت، واحرص على عدم تفويت فرص الضحك قدر الإمكان. إن لم تفعل،
سينتابك على الأرجح قلقٌ، وذلك ما يدفع الناس إلى تفادي المناسبات
الاجتماعية، الأمر بمثابة دورة مدمّرة».

مساعدة

في حال فشلت العلاجات، آن الأوان لتستشير طبيبك العام. يشرح تورنر: «من
المهم استشارة الطبيب خصوصاً إن كنت تعاني من نوبات هلع. غالباً ما تقع
حوادث منفصلة في أماكن مكتظّة، فيبدأ قلبك بالخفقان، ولا تستطيع التقاط
أنفاسك، وتشعر بأنه سيُغمى عليك وتبدأ ركبتاك بالارتعاش. يشعر البعض وكأن
الأرض تتحرّك أو هو على قناعة بأن أمراً سيئاً يحدث، باختصار إحساس مريع
بالموت. على طبيبك حينئذ إحالتك إلى طبيب نفسي سيعلّمك تقنيات لإدارة
الشعور بالقلق ويقدّم لك علاجاً للسلوك المعرفي، في حين يصف البعض
الأدوية».

من المهم أن نشعر ببعض القلق، لأنه يساعدنا في التركيز، وهو أمر طبيعي
كلياً، لكن لا يجب أن يكون مفرطاً. يصعب على البعض تحمّله ويعتقد أن الأمور
لن تؤول إلى التحسّن. إن استطعت فهم القلق وأسبابه وتقبّلها، ستتحسن
الأمور.

آثار القلق ليست نفسية فحسب. تقول كارولين كار، اختصاصية في العلاج
المغناطيسي ومؤلفة كتاب How Not to Worry، الذي صدر أخيراً: «غالباً ما
تكون العوارض الجسدية المقلقة أول ما يلاحظها الأشخاص الذين يعانون من
القلق. يمكن أن يشهدوا خفقاناً، زيادة في نبضات القلب، تعرقاً عصبياً،
تشنّجاً في العضلات، آلاماً في المعدة، أو ضيقاً في التنفّس. عرفت شخصًا
أصيب بتشنّج في عضلات الفك، فكان بالكاد يستطيع فتح فمه من دون معرفة
السبب، وتبيّن بالتالي أنه يعاني قلقًا. يجب أن تهدأ تلك العوارض ما إن
يزول الخطر المحتمل، لكن بما أننا نتعامل مع «الحالات الطارئة» في عالمنا
الحديث يوميًّا، يمكن للناس أن يضعوا أنفسهم تحت ضغط مستمر هائل إلى حد أن
المواد الكيماوية التي يفرزها الجسم لمحاربة هذا التهديد ليس لها متنفس آخر
سوى إحداث عوارض القلق».

» انزع يا رب من قلبي كل محبة أخرى تتعارض مع محبتك
» اهم الوصايا لتجنب القلق
» عظة قداسة البابا شنودة عن القلق 0 26 01 2011