لا تطرح ثقتك
أتى وقت على الشعب بدا فية أن قوى الظلمة قد أنتصرت، وأنها هى التى تُهيمن على الأحداث...
فلم يعد شعب الله كما كان في أيام موسى ويشوع وداود يرى عجائب إلهه، يتمتع بالإنتصارات ويتغنى بها..
وَوَصَفَ إشعياء النبي حالة الشعب المتردية قائلاً:
"تركوا الرب .. ارتدوا إلى وراء .. كل الرأس مريض وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جُرح وإحباط.." (أش 1: 4-6)
وسارت أمورهم إلى الأسوأ، وجاء إرميا النبي شاهداً عليهم:
"عَوَجوا طريقهم .. تعاظمت معاصيهم .. تجاوزوا في أمور الشر" (إر3: 21 ، 5: 6، 28)
لكن ماذا عن الرب؟ .. هل تأخر عن التدخل؟ .. هل حقاً لم يعد يهيمن على الأحداث؟
لم يقف الرب صامتاً.. بل أجاب فى رؤيا أعطاها إلى إرميا النبي الذي بدوره يُخبرنا بها:
"ثم صارت كلمة الرب إلىَ قائلاً:
ماذا أنت راء يا إرميا.
فقلت أنا راء قضيب لوز.
فقال الرب لي أحسنت الرؤية لأني أنا ساهر على كلمتي لأُجريها"
(إر1: 11، 12)
إن كلمة لوز في أصلها العبرى تعني متيقظ أو ساهر.. فشجرة اللوز تعني الشجرة اليقظة.. فهي بالفعل أول شجرة تتيقظ بعد نوم الشتاء لتُخرج أزهارها مُبكراً في شهر يناير(1) ..
إنها تحدثنا عن يقظة الرب .. عن سهره لإتمام وعوده في الوقت المناسب .. بلا أدنى تأخير..
وكأن الرب يقول لإرميا: "هل يوحي لك العيان، ما تراه بعينيك وما تسمعه بأذنيك، بأنني لا أتدخل؟.. لا، لا تصدق العيان الخادع .. بكل تأكيد أنا ساهر على كلمتي لكى أُجريها فى الوقت المناسب .. لا تطرح مُطلقاً ثقتك في"..
أيها القارئ، إن رسالة قضيب اللوز هى أيضاً لك .. لك بكل تأكيد..
فقد يقول لك الواقع إن الأمور سيئة وغير مشجعة، وليس هناك ما يدعو للفرح..
ماذا تفعل؟ .. تَمَسك برسالة قضيب اللوز.. ثق أن الرب لن يتأخر أبداً عن التدخل في حياتك، ما دمت تؤمن به وتثق في كلمته وما تحمله لك من وعود..
لا، لا تسمح للواقع أن يُصيبك بالإحباط .. استمع إلى الكلمة، فهى تُقَدم لك وعوداً عظمى وثمينة تناسب كل ظرف تمر به ..
لا تطرح ابداً ثقتك فيها، فالرب الذى يحبك ساهر عليها لكي يجريها..
مثال
شخص عانى من الفشل والإخفاق سنوات طويلة .. ماذا يقول له الماضي؟ .. إن غدك لن يكون سوى استمراراً للأمس.. ليس من منفذ للراحة والنجاح .. لم تنجح في كل هذه السنوات فكيف تفكر في النجاح الآن؟
لكن ماذا تقول الكلمة، كلمة النعمة التى تحمل أخباراً طيبة تُسمن العظام (أم 15: 30)؟
إنها تؤكد أن الرب يسوع هو الطبيب الحقيقي الذي مات وقام ليطلق الأسرى إلى الحرية (لو 4: 18)..
الكلمة تعلن أن الرب قد دفع بالكامل ثمن حرية وشفاء المقيدين (مت 8: 16).. وأنه يدعوهم برغبة حارة أن يأتوا إليه ملقين بأحمالهم عند قدميه.. سيُريحهم، سيُحررهم ويشفيهم.. سيُعوضهم عن السنين التي أكلها الجراد.. وسيقودهم من نجاح إلى نجاح..
كلمة الله تؤكد أن هناك شفاءً مؤكداً وحرية كاملة من الفشل لهذا الشخص إن استجاب بإيمان لدعوة الرب وتمسك بها..
الكلمة تُسْمِعْهُ وعد الرب العظيم "تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم" (مت11: 28)
ورسالة قضيب اللوز تقول له: الرب سيحقق وعوده معك.. إنه ساهر عليها فلا تطرح ثقتك، إن "لها مجازاة [مكافأة] عظيمة" (عب 10: 35)..
مثال ثاني
أُسرة مؤمنة فَقَدَ رجلها عمله، مصدر رزقه الوحيد، في مجتمع تسوده البطالة .. ماذا يقول الواقع؟.. إن الأسرة ستُعاني حتماً مذلة الإحتياج لزمن غير قصير..
ولكن ماذا تقول كلمة الله؟ .. يا للنعمة الغنية!!
يا لمراحم الرب التي لا تزول!!.. الكلمة تقدم الوعود المناسبة..
"ليس عوز لمتقيه [أى لمتقي الرب] .. الأشبال احتاجت وجاعت وأما طالبوا الرب فلا يعوزهم شئ من الخير" (مز 34: 9،10)
"عاضد الصديقين الرب .. لا يُخزون في زمن السوء وفي أيام الجوع يشبعون" (مز 37: 17، 19)
" أيضاً كنت فتىً وقد شِخْتُ ولم أرَ صِدِّيقاً تُخُلِّيَ عنه ولا ذرية له تلتمس خبزا. اليوم كله يترأف ويُقرض ونسله للبركة" (مز 37: 25، 26)
تُرى هل أدركنا هذه الحقيقة؟.. وهل نقرأ الكلمة متوقعين أن تقول لنا شيئاً مختلفاً عما يقوله المنطق الطبيعي؟ .. للأسف كثير من المؤمنين يفقدون سلامهم حينما يجتازون ظروفاً صعبة لأنهم لا يتوقعون حدوث شئ مختلف عما ينتظره غير المؤمنين..
يا للأسف، إنهم يجهلون أو يتجاهلون ما تقوله الكلمة..
أيها الحبيب، ما تقوله الكلمة هو أكثر حقيقة من كل الظروف المرئية ومن كل التوقعات المنطقية.. وعندما نؤمن به سنتمتع بالسلام العميق، حتى في أحلك الظروف لن نُفكر كما يُفكرغيرنا بطريقة سلبية ولن نتحدث مثلهم بكلمات الهزيمة.. بل سننتصر على الخوف وعلى القلق، وسنرى أموراً عجيبة "أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر" (أف 3: 20)..
وسنشهد لإلهنا بما يحدث معنا.. إنه حي.. يحبنا جداً جداً، وأبداً لا يخذلنا..
أيها الحبيب، لا تطرح ثقتك فيما تقوله الكلمة.. الرب لن يتأخر في إتمامها.. لا تنسَ أبداً أنه ساهر عليها ليجريها..
كلمة الله هى الحق
كم من مرة قال عنها الرب يسوع إنها الحق (يو 8: 23، 16: 13، 17: 17)..
وما معنى كلمة حق؟
إنها ترجمة للكلمة اليونانية " ήθεɩɑλἀ" "آليثيا" "aletheia"، والتى تُطلق على الشئ الذي يتصف باليقينية "Certainty"، والصدق التام الذي يخلو من أي خداع وغش(2) ..
كلمة الله هي الآليثيا.. هي الحق المنزه عن الخطأ.. هي الكلمة الصادقة كل الصدق، والرب بنفسه أكد لنا ذلك بكلمات واضحة وقاطعة .. اسمعه معي وهو يقول:
"زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس"
(لو16: 17)
"فإني الحق أقول لكم.. إلي أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس [المقصود بالحرف الواحد، حرف اليوتا "ᵻ" أصغر الحروف اليونانية، والمقصود بالنقطة، الجزء الصغير من الحرف العبري الذي يميزه عن حرف آخر يشابهه مثل الفرق بين حرفي "ّƆ" و K "ّƆ"](3)" (مت 5: 18)
كلمة الله صادقة فى كل ما تقوله .. انشغل بها، افتح قلبك لها .. ستُعطيك الإيمان بصدقها.. ستجدها دائماً الكلمة الحّية التى تعطيك الحياة والتى تصنع العجائب..
تأمل معي هذا الرجل، يشوع بن نون، الذي قاد الشعب لإمتلاك أرض الموعد.. الأرض الجيدة التي تفيض لبناً وعسلاً..
لقد تعّرض لمواقف عديدة بالغة الخطورة.. وهل هناك أخطر من أن يختلف معك شعباً بكامله فيشرع في قتلك رجماً بالأحجار؟!.. هذا تماماً ما حدث معه (عد14: 10)، وليس ذلك فقط بل أيضاً قاتله واحد وثلاثون ملكاً في معارك متنوعة (يش12: 24)..
لقد واجه يشوع أسواراً شامخة في أريحا، ومدناً حصينة كحبرون (يش10: 20، 36) وتحالفات قوية مثلما حدث في حربه مع الأموريين (يش10: 5).. وتعّرض مرة للهزيمة بسبب خيانة واحد من جنوده (يش7: 1)..
لكن أنظر، في كل مرة لم يستسلم للضعف بل فَعَلَ مثل إبراهيم "تقّوى بالإيمان مُعطياً مجداً لله" (رو4: 20) .. لم يدع ما يراه بعينيه أو ما يسمعه بأُذنيه يُضعف من معنوياته.. تشبّث يشوع بالكلمة، فماذا اختبر؟.. اقرأ معى هذه الشهادة القوية التي أعلنها قبيل موته مباشرة:
"ها أنا اليوم ذاهب في طريق الأرض كلها. وتعلمون بكل قلوبكم وكل أنفسكم أنه لم تسقط كلمة واحدة من جميع الكلام الصالح الذي تكلم به الرب عنكم.. لم تسقط منه كلمة واحدة"
(يش23: 14)
أيها الحبيب، بإمكانك أنت أيضاً أن تحيا بالإيمان، وأن تثق في الكلمة كما وثق بها يشوع.. فإله يشوع هو أيضاً إلهك، وهو يريد أن يصنع معك العجائب كما صنعها معه..
إنه يُحبك أنت أيضاً.. يُحبك بلا حدود، ويريدك أن ترى عجائبه في حياتك، لتشهد له مثل يشوع..
ثق.. ثق في كل وعد تقوله لك الكلمة..
ثق أنه سيتحقق مهما بدا للمنطق البشري أن حدوثه ضرب من الخيال..
وعود الكلمة ليست خيالاً.. وعود الكلمة أرسخ من الجبال.. كل ما تقوله مهما كان سوف يتحقق مادمت تؤمن بها وتخضع لها.. "كل شئ مستطاع للمؤمن" (مر9: 23)..
ألا نسبح الرب بكل قلوبنا لأنه أمين على تحقيق كلمته، صادق في إتمام كل ما تقوله لنا..
لقد وعد قائلاً: "أنا ساهر على كلمتي لأجريها" (إر1: 12)..
أيها الحبيب يا من أفتُديت بالدم الثمين.. يا من غُفِرَت لك خطاياك (1يو2: 12)
ألست ثميناً جداً في عينيه؟!
ألست أنت "حدقة عينه" (تث32: 10)؟!
ألست منقوشاً على كفه (إش49: 16)؟ّ!
ثق.. ثق أنه يسهر لأجلك..
ثق.. ثق أنه يسهر لكي يُجري معك كل وعد تحَدَّث به إليك في كتابه، ما دمت تؤمن..
داود النبي يؤكد
اُنظر كيف يؤكد لنا داود النبي أيضاً هذه الحقيقة الثمينة.. اُنظر كيف يُسَبح الله قائلاً:
"إلى الأبد يا رب كلمتك مُثبتة في السموات. إلى دور فدور أمانتك" (مز119: 89، 90)
"أسجد في هيكل قدسك وأحمد اسمك على رحمتك وحقك لأنك قد عظَّمت كلمتك على كل اسمك [في ترجمات أُخرى على كل شئ (NIV، RSV)]" (مز138: 2)
ماذا تعلن هذه الآيات الذهبية؟
مرة أُخرى نرى إعلاناً بأن كلمة الرب لن تسقط أبداً.. فلم يقل المزمور أن كلمته مُثبتة فوق الجبال الشامخة، لأنه برغم رسوخها سيأتى وقت تزول فيه وتتزعزع (إش13: 13).. بل قال في السموات مكان عرش القدير (مت 5: 34)، مكان الثبات المطلق والقوة غير المحدودة..
وهى ثابتة من "دور إلى دور"، تستطيع أن تلمس قوتها في حياتك مثلما لمسها رجال الله، إبراهيم وموسى ودانيال.. فإلههم هو إلهك وكلمته هى لك الآن كما كانت لهم في القديم..
إنها حقاً كما يقول المزمور أعظم من كل شئ.. أقوى من كل شئ .. أثبت من كل شئ..
وهذا الكتاب الذى بين يديك يُحدثك عن تصديق الكلمة، يدعوك أن تؤمن بها وأن تثق فى وعودها..
إنه كتاب يحدثك عن الكلمة وعن الإيمان، فالكلمة والإيمان لا يفترقان أبداً، حتى أن الرسول بولس قال عن الكلمة إنها "كلمة الإيمان" (رو 10: 8)..
هو كتاب يشرح لك كيف تؤمن بصدق الكلمة .. وكيف ينمو إيمانك بها .. وكيف يصمد هذا الإيمان في الأوقات الصعبة التى يتحدى فيها المنطق البشري الطبيعي وعود الكلمة..
كتاب يُحَدِّثك عن الإيمان الذي يرفض العيان والمنطق حينما يعارضان وعداً من وعود الكلمة..
وهو كتاب من عدة فصول، كلها تتحدث عن الإيمان وإن كان من زوايا متعددة، لكن الهدف العام واحد .. هو بناء إيمانك، كي يرتفع إلى مستوى أعلى لتتمتع بأعمال الله على نحو أعظم وأمجد .. ولترى المعجزات واقعاً يملأ حياتك ..
هذا الكتاب يُشَجَعك كى تسير من إيمان إلى إيمان .. من قوة إلى قوة .. ومن مجد إلى مجد .. لتحيا غنياً في الإيمان (يع 2: 5)، منتصراً فوق كل الظروف، هاتفاً للرب الذي أحبك .. الذي يحملك كل الأيام..
إنه كتاب يشرح لك حياة الإيمان التي تٌثابر حتى تُغير الواقع، وترى الوعد محققاً..
ما أعظم حياة الإيمان!!.. فالإيمان هو اليد التي تُحَرِّك كل شئ..
ما أعظمها حياة!!.. تُريك العجائب، ومع رؤية العجائب تتمتع بما هو أعظم .. تتلامس مع إلهك الحيّ الذي يحبك، والذي يصنع المعجزات من اجلك..
حياة الإيمان ستُمتعك بإلهك كما هو في حبه وحكمته وقدرته الامحدودة..
حياة الإيمان ستجعل أيامك رائعة .. رائعة.. تشهد لإلهك، أبيك الذي يسهر على كلمته لكي يجريها (إر1: 12) من أجل خيرك (رو8: 28).. من اجل راحتك وحريتك وشفائك وتسديد احتياجاتك..
يارب أنت إلهي أُعظمك.
أحمد اسمك لأنك صنعت عجباً
مقاصدك منذ القديم أمانة وصدق (إش25: 1)..
من مثلك أنت الفاعل عظائم لا تُفحص وعجائب لا تُعد (أي9: 10)..
لم تر عين إلهاً غيرك يصنع لمن ينتظره (إش64: 4)..
أشكرك وأمُجدك من اجل الإيمان الذي يحقق وعودك العظيمة في الواقع الملموس بالحواس، فيجعل الحياة رائعة.. ومليئة بالمعجزات..
واشكرك وأُمجدك من اجل هذا الكتاب، لأنني أثق كل الثقة أنك ستستخدمه في التعليم والتشجيع..
وفي ربح النفوس، وتقوية إيمان المؤمنين..
لتكن قراءته نقطة تحول في حياة كثيرين، وليبدأوا مرحلة جديدة، تمتلئ باختبارات مجيدة للإيمان الذي ينقل الجبال..
واثقاً أنك ستعمل به أكثر مما أفتكر..
إنني أثق، ولن أطرح أبداً ثقتي فيك..
القس دانيال