لا تطرح ثقتك
1 أهـــــزم العــــــيان
أي آلام هذه التى إحتملها ملك الملوك من أجلي!! ومن أجلك!!
لطمات شديدة العنف أتت على خديه..
جلدات وحشية إنهالت متوالية على ظهره..
شوك حاد أدمى هامته، وسالت الدماء غزيرة ..
مسامير حادة نفذت في لحمة الغض في كل من يديه وقدميه..
وكم تحمل من اجلي، ومن أجلك آلاماً أُخرى نفسية تفوق احتمال البشر!!
جَرَحة بعمق ترك أحبائه له في وقت شدته.. وكذلك البصق على وجهه..
وكم كانت خادشة لأحاسيسة المرهفة كلمات الإستهزاء والسخرية التي سمعها من رعاع الشعب ومن جنود استهتروا به إلى أقصى حد..
لقد كسر قلبه عار الصليب .. لقد حمل كل ذنوب البشر من آدم إلى نهاية الدهور..
ومه هذا لم يتذمر..
لم يحتد..
لم يشتكِ..
ولم يقبل وسيلة لتخفيف الألم!!
كانت العادة عند الرومان أن يقدموا للذين يُصلَبون بعضاَ من الخمر الممزوج بالمر ليخففوا عنهم الإحساس بالألم الشديد(4)..
لكن الرب أبىَ أن يأخذ هذا المُسَكن (مر15: 23).. أبىَ أن تُخَفَف آلامه.. آه، لقد أراد أن يتحمل عنا عقابنا واحزاننا وأوجاعنا كلها (مت8: 17) بلا أدنى نُقصان!!
إنه الحب .. حبه العظيم الذي جعله يتحمل كل هذه الأهوال بدلاً منا، كي لا تأتي علينا..
لكن إنتبه .. شئ آخر واحد في كل هذا الوجود كان أقسى عليه من كل هذه الأهوال.. كان أشد إيذاءً وأكثر مرارة!! كان صعباً عليه أن يتحمله!!
إقرأ معي ما كَتَبَه القديس متى وهو يسرد لنا إحدى قصص الرب..
"ولما جاءوا إلى الجمع تَقَدَم إليه رجل جاثياً له وقائلاً يا سيد إرحم إبني فإنه يُصرع ويتألم شديداً. ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن الملتوي. إلى متى أكون معكم. إلى متى أحتملكم. قدموه إلى هَهُنا. فإنتهره يسوع فخرج منه الشيطان فشُفي الغلام من تلك الساعة"
(مت17: 14-18)
أُنظر كم من الصعب على قلب الرب المملوء بالحب والوداعة أن يرى تلاميذه والشعب بلا إيمان. كم كان صعب جداً على قلبه أن يراهم بسبب غياب الإيمان عاجزين أن يُحرروا شخصاً من سيطرة الأرواح الشريرة..
تأمل، لقد استطاع الرب أن يصبر في إحتمال آلام الصلب البدنية والنفسية برغم قساوتها ووحشيتها، إلا أنه هنا- إن جاز التعبير- لم يقدر أن يحتمل غياب الإيمان من أحبائة..
تأمل كلماته "أيها الجيل غير المؤمن.. إلى متى أكون معكم.. إلى متى أحتملكم"..
آه هل أدركت كم هو قاس جداً على حبيبنا الوديع الرقيق أن يرى واحداً منا لا يمتلك الإيمان الذي يأتي بقوة الله إلى مكان الإحتياج..
آه هل عرفت كم يُحزن قلبه جداً ضعف إيماننا..
الرب يريدنا أقوياء في الإيمان..
الرب يهمه جداً إيماننا.
كم من مرة نقرأ في الكتاب المقدس أنه وَبخَ أصحاب الإيمان القليل (مت6: 30، 16: 8)، وكم من مرة نقرأ أنه مَدَحَ علانية مَن لهم إيمان عظيم (مت8: 10، 16: 8)..
الرب يهمهُ إيماننا لأنه يُحبنا.. كم يودُ أن نمتلئ بالإيمان، لأن الإيمان هو الذي يُمتعنا بأعماله المجيدة.
الرب يُحبك جداً، لذا يريدك أن تمتلئ بالإيمان لكي يُجري اعماله معك، وما أعظمها!!
هل تتذكر هذه القصة، حينما قال الرب "من لمس ثيابي"، فأجابه تلاميذه "أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسني" (مر5: 30، 31)..
كانت الجماهير تحيط به وتزاحمه من كل جهه، لكن واحدة فقط من كل هؤلاء شَعَرَ الرب بها عندما لمست هُدب ثوبه..
لماذا شعر بها دون سواها؟.. إنها الوحيدة التي لمسته بإيمان حقيقي.. لقد أتت إليه وهي تقول في داخلها "إن مسست ولو ثيابه شُفيت" (مر5: 28).. كانت تنزف من إثنتي عشرة سنة، تألمت كثيراً، أنفقت كل معيشتها على الأطباء، لكنها أخيراً ثررت أن تعتمد على الإيمان..
لقد شعر الرب بإيمانها، لأن إيمانها كان إيماناً حياً.. لهذا تدخل، أراحها .. شفاها..
الرب يبجث عن النفوس التى تلمسه بإيمان.. إنه يبحث عن إيمانك كي يريحك.. كي يتدخل لحل مشاكلك ..
إنه يبحث عن إيمانك كي يشقيك .. كي يسدد احتاجك..
إنه يبحث عن إيمانك كي يستخدمك .. كي يستخدمك بقوة، لتكون بركة لمن حولك..
لكن أي إيمان هذا الذي يبحث عنه الرب؟
أي إيمان هذا الذي يجعله يحس بلمساتنا له؟!
أي إيمان هذا!! يُشعره باحتياجاتنا ويُحَركَه ليصنع معنا كما فعل مع نازفة الدم.. يشفينا ويُريحنا..
لنأتِ معاً إلى الأصحاح الحادي عشر من رسالة العبرانيين، ففي بداية هذا الأصحاح يُقدم لنا الروح القدس تعريفاً محدداً لهذا الإيمان..
لندرس معاً هذا التعريف الهام لأنه التعريف الوحيد للإيمان في كل الكتاب المقدس..
لندرسه وعيون قلوبنا متجهة إلى أبينا السماوي أبي الأنوار (يع1: 17) لكي يتحدث هو بنفسه إلينا من خلال هذه الصفحات..
أبي السماوي،
أعرف أنك تٌحب كُلاً منا حباً خاصاً.. كتابك يؤكد لنا هذا..
لذا نطلب منك بدالة، واثقين في الإستجابة..
لا تسمح لهذه الدراسة أن تكون مجرد معلومات..
لا، لا نرغب كلاماً جافاً.. بل لمساتك الحية التي تجدد أذهاننا، وتُنعش أرواحنا..
نٌريد كلامك الحي الذي يبني إيماننا..
نُريد عمل روحك..
آمين..
تعريف الإيمان
"الإيمان هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى" (عب11: 1)
هنا نرى أن للإيمان تعريفين.. وليسمح لي القارئ أن أبدأ بالتعريف الثاني، لأن الأول له علاقة بالرجاء، ومن المفيد أن نتحدث عن الرجاء في علاقته بالإيمان بعد أن نفهم أولاً ما هو الإيمان..
"الإيمان هو الإيقان بأمور لا تُرى"
عندما لعن الرب شجرة التين لم يقل التلاميذ وقتها شيئاً، إذ لم يروا في الحال أي تغيير قد حدث للشجرة.. ولكن في اليوم التالي اختلف الأمر..
"وفي الصباح إذ كانوا مُجتازيين رأوا التينة قد يبست من الأصول. فَتَذكرَ بطرس وقال له يا سيدي اُنظر التينة التي لعنتها قد يبست. فأجاب يسوع وقال لهم ليكن لكم إيمان بالله" (مر11: 20-22)..
لقد راى التلاميذ بعيونهم أن لعنة الرب قد بدأت تعمل وأن جذور الشجرة قد يَبُست.. هنا اعترف بطرس بالمعجزة، فهل يُحسب هذا الاعتراف إيماناً؟
كلا، لأن اعتراف بطرس أتى بعد وقوع المعجزة، لذا قال له الرب: "ليكن لكم [بطرس والتلاميذ] إيمان بالله" .. وكأنه يقول لبطرس : لقد تَأَخَرَ اعترافك .. أنت تفتقر الإيمان الذي يجعلك تعترف بالمعجزة قبل أن ترى دليل على حدوثها..
الرب يقول لك أنت أيضاً: ليكن لك إيمان.. ليكن لك الإيمان الذي يجعلك تعترف بحدوث المعجزة قبل أن تراها في العيان..
تذكر أن الإيمان هو "الإيقان بأمور لا تُرى"..
انتبه إلي كلمتي "لا تُرى"، فالإيمان لا يعمل من خلال الحواس الطبيعية.. الإيمان لا يعني الثقة في حقيقة أمور تراها بالعين الجسدية، بل على العكس.. الإيمان هو الثقة في حقيقة أمور لا تراها بعينيك لكنك تثق كل الثقة في وجودها..
رجال الإيمان
لنتأمل معاً إيمان نوح وإبراهيم وموسى ويشوع..
اُنظر ما قاله الوحي عن نوح "بالإيمان نوح لما أًحيَ إليه عن أمور لم تُر.. بنى فلكاً لخلاص بيته" (عب11: 7)..
وماذا واجه نوح؟
هزء وسخرية الجيران والمعارف.. أقل المتوقع أنهم اتهموه بإهدار أمواله وطاقاته.. ربما قالوا إنه يحيا في الأوهام أو اصابة الجنون..
وكيف احتمل هذا؟ .. كان له الإيمان .. لقد صَدّقَ حقيقة الطوفان قبل أن يراه واقعاً بالعين الطبيعية.. لقد رآه بعين قلبه قبل أن يحدث.. كان له الإيقان بأمور لا تُرى لذا استطاع أن يصبر على بناء الفلك غير عابئ بما يُقال عنه أو له..
وإبراهيم مثال آخر.. يقول الوحي عنه "بالإيمان إبراهيم لما دُعِيَ أطاع.. بالإيمان تَغَرَب في ألأرض الموعد.. لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التى صانعها وبارئها الله" (عب11: 8-10)
كيف استطاع إبراهيم أن يترك أهله وأقرباءة .. أن يترك مدينته التي شب فيها ويخرج سائراً في مسالك لم يطرقها من قبل؟ .. كيف لم يفزعه المجهول؟.. ليس سوى إجابه واحدة .. كانت عين قلبه ترى ما لا تراه عينه الطبيعية.. لقد كان من هؤلاء الذين قالت عنهم الكلمة إنهم "من بعيد نظروها [الوعود] وصدقوها وحيوها [عانقوها KJV]"!! (عب11: 13).. كان له الإيقان بأُمور لا تُرى..
وموسى النبي قال عنه الوحي "بالإيمان [موسى] ترك مصر غير خائف من غضب الملك لأنه تشدد كأنه يرى من لا يُرى" (عب11: 27)..
كان موسى يرى بعين قلبه وراء ما تراه عينيه.. كان يرى ما وراء مصر وقوتها.. كان يرى إلهه العظيم القادر على كل شئ، إله الخلاص الذي يُنجي من الموت (مز33: 19) والذي يقوده في موكب النصرة (2كو 2: 14).. رأى ما لا يُرى بالعين الطبيعية، لذا قاد الشعب للخروج من قبضة فرعون بجسارة وجرأة، دون ادنى تردد أو خوف..
وماذا فَعَلَ موسى مع الشعب حينما حَدق بهم الخطر؟
لقد أصاب الشعب عدم إيمان (خر14: 10-12) ففرعون بكل مركباته يقترب منهم، وليس من منقذ منظور، فالبحر أمامهم يَسدُ أمامهم طريق الهرب..
ماذا فَعَلَ موسى؟
تأمل كلماته لهم:
"لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. فإنه كما رأيتم المصريين اليوم [جيش فرعون] لا تعودون ترونهم أيضاً" (خر14: 13)
" لا تخافوا " .. أي قاوموا الخوف.. الرب يعطيكم النصرة على الخوف.. لا تستسلموا قط له، وستنتصرون عليه..
" قفوا ".. أي توقفوا عن التفكير في العيان المخيف.. انفصلوا عن عدم الإيمان، واعطوا مكاناً للإيمان..
" انظروا خلاص الرب العظيم ".. هذه دعوة لامتلاك الإيمان.. أن ينظروا شيئاً لا يرونه بعيونهم، أن ينظروا بقلوبهم خلاص الرب .. أن ينظروا الخلاص ويفرحوا به قبل أن يحدث في الواقع..
لم تكن هذه الكلمات التى نطق بها موسى للشعب كلمات عادية، فقد خرجت من قلبه الممتلئ بالإيمان لذا صاحبتها قوة من الروح القدس، فأثرت تأثيراً عظيماً في الشعب..
لقد تبدل الحال تماماً.. كلمات الإيمان الحقيقي مقتدرة، تؤثر في من يسمعها.. لقد تَبَدَلَ حال الشعب وتحوَّل من الخوف إلى الإيمان.. تشهد كلمة الله لما حدث قائلة: "بالإيمان اجتازوا في البحر الأحمر" (عب11: 29)، ما المعنى؟.. لقد تَحَولوا من الخوف إلى الإيمان.. أطاعوا موسى.. نظروا بقلوبهم خلاص الرب.. رأوا أنفسهم منتصرين على فرعون وجيشة.. لقد رأوا بقلوبهم شيئاً مُضاداً تماماً للواقع.. هذا هو الإيمان، أن ترى ما لا يُرى..
كان كل شئ منظور بالعين الطبيعية يؤكد حتمية الوقوع في قبضة فرعون المُهلكة، ولكنهم رأوا بقلوبهم أمراً آخر.. رأوا انتصارهم، وما رأوه بقلوبهم تحقق في الواقع.. لقد تحققت المعجزة وانتصر الشعب.. عَبَرَ البحر.. غَرَقَ فرعون ومركباته..
ونقرأ عن رجل آخر من رجال الإيمان، هو يشوع.. لقد اقترب من مدينة أريحا التي وعده الرب بها.. لكن كيف يقتحمها وهي مدينة حصينة ذات أسوار عالية ومنيعة، ورجالها جبابرة في الحرب؟!
تأمل كلمات الرب إليه قبل أن يهاجم المدينة: "اُنظر قد دفعت بيدك أريحا" (يش6: 2)
إنها دعوة محددة "اُنظر" .. اُنظر بقلبك .. اُنظر بقلبك مالاتراه الآن بعينيك "قد دفعت بيدك أريحا"..
لاحظ معي الرب لم يقل "سأدفع بيدك أريحا" في زمن المستقبل بل "دفعت" في زمن الماضي.. إنه يريده أن ينظر بقلبه ما سيحدث بأريحا على أنه قد حَدَثَ بالفعل.. هذا هو الإيمان .. الإيقان بأمور لا تُرى..
امتلاك الأرض
وفي سفر العدد نقرأ عن اثنى عشر رجلاً أرسلهم موسى النبي ليتجسسوا أرض كنعان التى كان الشعب مُزمعاً أن يذهب لامتلاكها..
لقد عادوا، وقد اتفقوا جميعاً على أنها أرض رائعة ذات ثمر عظيم.. إنها حقاً كما قال الرب "تفيض لبناً وعسلاً" (عد13: 27)، إلا أنهم انقسموا فيما بينهم في الجزء الثاني من تقريرهم..
عشرة منهم أي الأغلبية عبّروا عن خوفهم الشديد.. قالوا "قد رأينا بنى عناق هناك.. العمالقة.. الجبابرة" (عد13: 28، 29، 33).. لقد اعتمدوا على ما رأته أعينهم الطبيعية.. وسمعوا أيضاً هذه المقولة تتكرر "من يقف في وجه بني عناق" (تث9: 2) فصدقوها.. اعتمدوا على حاستي النظر والسمع، فماذا كان تقريرهم "إنهم أشدّ منا. كنا في أعيننا كالجراد [أي رأينا أنفسنا في منتهى الضعف بالمقارنة بقوتهم]" (عد13: 31، 33)
أما الإثنان الباقيان يشوع وكالب فلم يعتمدا على ما تقوله الحواس الطبيعية.. كان لهما الإيمان .. الإيقان بأمور لا تُرى.. لقد اعتمدا في تقريرهما على ما قالته كلمة الرب أن الأرض لهم، لذا لم يرددا "كنا في أعيننا كالجراد".. لم يُعلنا أن العدو أشدّ وأقوى.. بل أعطيا المجد لله.. أعلنا تصديقهما لما وَعَدَ به.. كان لهما الإيمان بما لا يُرى، لذا جاء تقريرهما "نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها" (عد13: 30)
الحواس الطبيعية تقول أنهم غير قادرين..
كلمة الرب تقول أنهم قادرون..
الإيمان هو أن تصدق كلمة الرب أيّاً كان ما تقوله حواسك.. إنه الإيقان بأمور لا تُرى.. هكذا فعل يشوع وكالب، وهكذا أعطاهما الرب أن ينظرا نتيجة إيمانهما.. وامتلكا الأرض..
الإيمان، الإيقان بأمور لا تُرى هو شرط الله لامتلاكنا عطاياه..
تأمل معى هذه القصة..
أتى الشعب إلى حدود أرض كنعان وكان عليه أن يجتاز نهر الأردن لكي يمتلك الأرض.. وأصدر الله تعليماته..
" قال الرب ليشوع .. وأما أنت فأمُر الكهنة حاملي تابوت العهد قائلاً. عندما تأتون إلى ضفة مياة الأردن تقفون في الأردن.. ويكون حينما تستقر بطون اقدام الكهنة حاملي تابوت الرب سيد الأرض كلها في مياه الأردن أن مياه الأردن المياه المنحدرة من فوق تنفلق وتقف نداً واحداً" (يش3: 7،8،13)
اُنظر، لم يقل الرب لهم انتظروا حتى أُرجع لكم المياه إلى الخلف فتصير لكم أرضاً يابسة، ثم سيروا بعد ذلك عليها بأقدامكم.. بل اشترط أن يضعوا أولاً أقدامهم في المياه لكي تحدث المعجزة..
الله يشترط الإيمان لكي يمتعنا بعطاياه.. يشترط الإيمان الذي يجعلنا نتصرف على أساس وعود الكلمة لا على أساس ما نراه في الواقع..
أن نرفض السلوك طبقاً لما نراه بالعين الطبيعية..
وان نُخْضِع سلوكنا لما تراه بعين القلب..
أو بلغة بولس الرسول "بالإيمان نسلك لا بالعيان" (2كو 5: 7)، والإيمان هو الإيقان بأمور لا تُرى..
الإيمان هو الإيقان بأن لك راحة (مت11: 28) حتى لو كان كل ما يحيط بك يُبَشِّر بالإعياء والإضطراب والتشويش..
الإيمان هو الإيقان بأن لك نجاحاً (3 يو 2، مز1: 3) حتى لو كان كل المنظور يُنبئ بالفشل..
الإيمان هو الإيقان بأنه لن يُعوزك شئ (مز23: 1) حتى لو كانت كل الظروف تشير إلى نقص مستمر في الموارد..
الإيمان هو الإيقان بأن لك شفاء (مت8: 17) حتى لو أسفرت نتائج الفحوص الطبية عن عكس ذلك..
الإيمان هو الإيقان بأن ما سلبه إبليس منك بسبب خطايا وحماقات الماضي سيعود لك مضاعفاً (أم6: 31) حتى ولو بدا هذا للعين البشرية ضرباً من المستحيل..
الإيمان هو أن ترى بعين قلبك قدرة الله غير المحدودة وأمانته الكاملة في تحقيق وعوده معك..
فرصة مجيدة
أيها القارئ، دعني أُحدثك عن نفسك.. هناك كثيرون يرون أنفسهم في خطر حقيقي، وقد تكون أنت واحداً منهم.. ربما ترى نفسك الآن على شفا حفرة عميقة، وبالمنطق الطبيعي ليس من نجاة..
هل تحصر تفكيرك فيما تراه بعينيك؟ هل تستسلم للمخاوف؟..
إنها فرصة مجيدة لعمل الإيمان.. الإيمان الذي هو الإيقان بأمور لا تُرى..
افتح كتابك المقدس، وابحث فيه عن وعود الرب لإنقاذ المؤمنين، فما أكثرها!! دعني أُقدم لك الآن بعضاً منها..
في المزمور الحادي والتسعين تُحَدِّثُنا الكلمة عن الإنقاذ:
"لإنه تعلق بي أُنجيه.
أُرفعه لأنه عرف اسمى
يدعوني فأستجيب له.
معه أنا في الضيق. أُنقذه وأُمجده.
من طول الأيام أُشبعه وأُريه خلاصي"
(مز91: 14-16)
وفي المزمور الثامن والستين نقرأ:
"الله لنا إله خلاص [نجاة]،
وعند الرب السيد للموت مخارج"
(مز68: 20)
اُنظر، هل أنت في خطر ولا ترى بعينيك من يُنقذك؟.. هل لم يَعُد هناك أي مخرج من الموت؟ هل أُوصدت أمامك كل أبواب النجاة؟..
شكراً.. شكراً للرب فالإيمان ليس هو الإيقان بأمور لا تُرى.. رجاء اقرأ مرة أٌخرى الآيات السابقة.. إنها تُعلن أن هناك من ينقذك.. وأن لك نجاةُ، وأن للموت مخارج.. نعم أنت لا ترى الآن هذه المخارج، لكن الإيمان الحقيقي يعني أن تثق كل الثقة في وجودها.. فالإيمان لا يعتمد على المنظور..
وما هي نتيجة الإيمان؟.. هللويا، هللويا.. هللويا للقدير، ستصير الأمور التي لا تُرى أموراً تُرى .. آمن بوعد الكلمة الذي يناسب احتاجك وسيتغير الواقع وسترى بعينيك المخارج من الموت..
نعم الإيمان يقتدر، الإيمان يُنجي ويشفي ويُسدد الاحتياج.. ويُضيف إلى ذاكرتك بين الحين والآخر قصصاً حيّة تشهد لأمانة الرب، ولحكمته ولاقتداره..
اطـــرد
من المهم جداً أن نتعود أن نطرد سريعاً من أذهاننا كل فكر مُضاد لوعد من وعود الكلمة.. لا يجب أن نشغل أنفسنا بما نراه بأعيننا، فهذا يضعف إيماننا..
تأمل بطرس، لقد ظل سائراً فوق المياه لبعض الوقت ثم ابتدأ يغرق.. لماذا؟ لماذا فشل بعد أن كان منتصراً؟.. الإجابة في جملة قصيرة، لقد انشغل بما يراه بالعين الطبيعية.. لقد انشغل بالأمواج..
في البداية كان يسير فوق المياه.. كان له إيمان يُصدق الكلمة، لقد بدأ يسير معتمداً على كلمة الرب له "تعال [سائراً على الأمواج]" (مت14: 29).. لكن عندما انشغل بما رآه بعينيه.. عندما انشغل بالأمواج العالية وبدأ يفكر، اختلف الأمر خاف وبدأ يغرق..
ماذا؟ لقد صَدق بطرس ما رآه.. لقد صَدَّق الأمواج.. صَدَّق أنها قادرة أن تُغْرِقَه، ونسي أن الأمواج أعجز من أن تُغْرِق إنساناً يسير فوقها معتمداً على كلمة من الرب..
أيها الحبيب، لا تنشغل بالأمواج التي تأتي عليك مُحاولةً أن تُخيفَك.. الأمواج تكذب عليك.. لا تنشغل بها، لا تنشغل كثيراً بما تراه إذا كان مُعارضاً لوعد من وعود الكلمة..
بكل تأكيد إبليس يريدنا أن نُحَوِّل أنظارنا عن الرب لننشغل بالأمواج الكاذبة.. ننشغل بالظروف لكي نفقد سلامنا..
إبليس يريد أن يُشعرنا بالفشل والإحباط لكي يُصيبنا بالإعياء .. تأمل يعقوب، ماذا قال حينما انشغل بالظروف: "يوسف مفقود وشمعون مفقود وبنيامين تأخذونه. صار كل هذا عليَّ" (تك42: 36).. لكن هل كانت هذه هي الحقيقة؟ .. كلا، لقد كانت كل الأمور تعمل معاً لخيره.. لم يمت يوسف ولم يُفقد شمعون.. بل كان الرب يُعِد الأمور لنزوله إلى مصر لمجد غير عادي ولكرامة فائقة..
لا تنشغل بالظروف فهي كاذبة.. ثق أن كل الأشياء تعمل معاً لخيرك (رو8: 28) .. وأن "الله يعمل لأجلنا [work for us (KJV)]" (1صم 14: 6)
قاوم الشك
أيها القارئ.. كن حذراً، قد يستخدم العدو ما تراه بعينيك لكي يوجه سهام الشك إلى قلبك.. الإيمان له معارك ضد الشك.. الرب يقول " ولا يَشُكُ بل يؤمن" (مر11: 23).. اعلن الحرب ضد الشك، لا تعطِ له أي مساحة من تفكيرك.. لا تسمح لجذوره أن تتعمق في داخلك .. اقتلعها.. اقتلعها فوراً بمجرد أن تشعر بها في ذهنك.. اقتلعها قبلما تتغلغل أكثر وتنتقل من ذهنك إلى قلبك..
أنت تستطيع أن تقتلعها بالاعتراف المستمر بما تقوله الكلمة..
هَب أنك كنت مريضاً وتَحَدَّث الرب إلى قلبك من خلال كلمته مستخدماً الآيات التي تعلن لك شفاءه (خر15: 26، 1بط2: 24).. لكن أتى العدو إلى ذهنك وقال لك تامل ما تراه بعينيك ألا يؤكد أن حالتك الصحية تزداد سوءاً.. لا تدع هذا الشك يستقر بداخلك، أنه وقت الحرب.. اعلن الآيات التي تؤكد أن لك الشفاء.. رددها بصوت مرتفع.. تذكر أن الإيمان لا يعتمد على ما تقوله الحواس .. الإيمان هو الإيقان بأمور لا تُرى..
ردد هذه الآيات .. ثق أن الشك ستراجع أمامها .. لأن الآية التي ترددها بقلبك تحمل معها قوة من الروح القدس..
عندما يكون هناك احتياج ما، انشغل بالوعد الذي يناسبه.. اعلن إيمانك به.. اعلنه لنفسك مرات ومرات.. قبل نومك وعند استيقاظك، وخلال اليوم.. استمر في هذا الإعلان المتكرر إلى أن يتحقق الوعد..
تَعَلَّم أن تقاوم أي فكر شك ليس فقط بإعلان الوعد بل أيضاً باستخدام اسم الرب يسوع..
أيها الحبيب.. إن كان بداخلك الآن أي أفكار مُضادة لوعد الله بالحماية أو الشفاء أو القيادة أو الحرية أو تسديد الإحتياج.. ارفع صوتك الآن واتجه إلى هذه الأفكار وقُل لها: باسم الملك، باسم ملك الملوك ورب الأرباب، باسم الرب يسوع أُقاومكِ أيتها الأفكار .. أطردك وأطرد معك أي أرواح شريرة تقف وراءك.. استمر في انتهارها إلى أن ترحل فلن تقدر أن تقف أمام اسم الرب..
لا تنسَ، إن ما تراه بعينيك، ما تسمعه بأُذنيك، ما تلمسه بحواسك الطبيعية قد يخدعك.. أما الإيمان فهو الإيقان بأمور لا تُرى.. هو الإيقان بما تقوله الكلمة التي لا تسقط أبداً .. فهي "تُثبت إلى الأبد" (إش40: 8)..
سيدي
أشكرك من أجل كلمتك التي علّمتني
أن أرفض كل عيان متى كان معارضاً لوعد من وعودك..
وحتى لو بدا لعيني الطبيعية أن الجبل يزداد ارتفاعاً، فسأراه بعين الإيمان يتصاغر ويتلاشى..
فأنت أمين لوعدك.. تستطيع كل شئ ولا يعسر عليك أمر (أي42: 2)..
حتماً سيُزال الجبل، سينتصر الإيمان، وسينهزم العيان، وسيتحقق الوعد..
القس دانيال