لا تطرح ثقتك
4 تعلم الإصغاء
ليس صعباً أن تمتلك الإيمان..
ليس صعباً أن تمتلك الإيمان الذي يُغير الأحداث، الإيمان الذي يُسدد كل الإحتياجات ويُنجي من الخطر..
عندما يطلب الله منا أن نفعل شيئاً، فهو يطلبه كأب، كأحن أب.. أبداً لن يطلب منا شيئاً فوق استطاعتنا..
إنه يطلب أن نؤمن بصدق وعوده، وبكل تأكيد يُعطينا القدرة على ذلك..
في الفصل السابق عرفنا أن الإيمان يأتي نتيجة لسماع وعد من وعود الكلمة يصاحبة عمل من الروح القدس..
وفي هذا الفصل تُكمِل حديثنا، كيف يكون لنا هذا السمع الذي بالروح؟ وماذا نفعل حتى يأتي هذا السمع بالإيمان إلى قلوبنا؟
يتحدث الله بالإجابة إلى كل منا في الأصحاح الرابع من سفر الأمثال قائلا:
"يا ابني أصغ إلى كلامي
أمل أُذنك إلى أقوالي
لا تبرح عن عينيك
احفظها في وسط قلبك"
(أم4: 20 ، 21)
الله يُريد منا أمرين.. أن نُصغي للكلمة وأن ننشغل بها..
لكي نؤمن لابد أولاً أن نصغي للكلمة بآذاننا، ثم ننشغل بها بعيوننا وقلوبنا.. ومن الضروري أن نعرف كيف نصغي، وأيضاً كيف ننشغل.. أمران لأهميتهما الفائقة خصصنا لكل منهما فصلاً بكامله..
في هذا الفصل تقرأ عن الإصغاء..
وفي الفصل التالي سنُحَدثك عن الإنشغال..
سيدي..
كم أحتاج عمل روحك "روح الإيمان" (2كو4: 13)
ها أُذني..
إلمسها بروحك، لتظل مفتوحة لصوتك..
لتعرف كيف تُميزُه..
لتُصغي له بإرهاف..
سيدي..
زد حساسيتها يوماً فيوم لكلمتك..
الرب يقول لك:
"يا ابني أصغ إلى كلامي
أمل أُذنك إلى أقوالي"
إنها دعوة تفيض بالحب لك..
الرب القدير.. من لا حدود لقوته يريد أن يتحدث إليك..
يُريد أن يتحدث إليك اليوم.. وغداً.. وكل الأيام..
لديه لكل يوم شئ هام يُريد أن يُخبرك به..
أنت لا تقرأ في الكتاب المقدس كلمات قالها الرب في الماضي، بل كلمات يقولها لك الآن.. كلمات تُناسب احتياجك الحالي.. تأمل العبارة الشهيرة "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تَخرُج من فم الله" (مت4: 4).. لم يقل الرب عن الكلمة إنها "خرجت" في زمن الماضي، بل "تخرج" وهي في اللغة اليونانية فعل مُضارع مُتكرر الحدوث Present participle(14)..
حينما تفتح الكتاب المقدس لتقرأ فيه، كُن مُستعداً أن تستمع إلى الرب الذي يُكلمك الآن..
أمل أُذنك إليه..
لاحظ أن الرب لم يقل "أمِل أُذنيك" مثلما قال "لا تبرح عن عينيك".. لم يستخدم صيغة المُثنى مع الأذن بل المفرد "أمل أذنك"..
السمع بأُذن واحدة يعني أنك تستمع لشخص يقترب منك جداً ليهمس في إحدى أُذُنيك بكلمات خاصة لا يُريد لأحد غيرك أن يسمعها..
الرب يقترب منك جداً لكي يتحدث إليك.. لا لم يعد يفصل بينك وبينه مسافات أو حواجز.. لقد صرت قريباً منه بسبب إيمانك بهذا الدم الثمين، دم الرب يسوع (أف2: 13)..
حينما تقرأ في الكتاب المقدس، اعلن ثقتك أنك في مجلس الرب (نش1:12).. جالساً عند قدميه (تث33: 3)، وأنه يهمس في أُذنك الآن بحديث خاص..
وفي كل مرة سيُعلن لك:
عن فكره في بعض أمور الحياة العامة..
وعن إرادته فيما يتعلق بأمورك الخاصة الحالية..
وذلك لهدفين:
في حديثه عن فكره، يُريد أن يُعرفك كيف تتصرف في المواقف المتنوعة لتكون دائماً في مشيئته..
وفي حديثه عن ظروفك الحالية، سيُقدم لك كلمته لتشفيك من متاعبك أو لتؤمن بها إيماناً يجعل الظروف تعمل لخيرك..
مفردات اللغة اليونانية تؤكد الهدفين
في اللغة اليوناية القديمة للعهد الجديد نتقابل مع لفظين يُترجمان في العربية بلفظ "كلمة" وفي الإنجليزية بلفظ "Word"
ولنرى على سبيل المثال هاتين الآيتين..
"لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين.. ومميزة أفكار القلب ونياته" (عب4: 12)
"الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله" (رو10: 17)
"كلمة الله" في الآية الأولى تختلف عنها في الآية الثانية في الأصل اليوناني.. في الأولى هي "لوغوس" “Logos” "yosόλ" وفي الثانية "ريما" “Rhema” "uaéɳ"..
ماذا تقول قواميس كلمات الكتاب؟
تحدد لنا القواميس التي تدرس كلمات العهد الجديد بلغته اليونانية الفرق بين لفظي "لوغوس" و"ريما".. فمع أن كليهما يُترجمان بالكلمة ويُطلقان على كل أنواع الحديث، إلا أن لكل منهما مدلوله الخاص به الذي يظهر أحياناً..
يشرح أحد القواميس موضحاً هذا الفرق:
لفظ "ريما Rhema " يُركز الإنتباه إلى معنى كلمة خاصة أو قول
“a special word or utterance”
أما "لوغوس Logos" فهو على عكس ريما، مصطلح لكلمات واسعة المحتوى "a broad term".. أحياناً يُطلق على محتوى الرسالة المسيحية بجملتها..
ويصف هذا القاموس قائلاً:
"يمكننا أن نفهم مغزى كلمة ريما من خلال أول استخدام لها [في الكتاب المقدس]، فعندما واجه الرب الشيطان في البرية أجابه قائلاً "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة Rhema تخرج من فم الله" (مت 4:4).. وفي هذه القصة نجد الرب يَصُد تجارب الشيطان باستخدام كلمات خاصة جداً من الكتاب المقدس تناسب كل موقف واجهه به العدو"(15)..
ويشرح لنا قاموس آخر التمايز بين اللوغوس والريما كالآتي:-
"نرى التميُز في الوصية القائلة "خذوا.. سيف الروح الذي هو كلمة [ريما Rhema] الله"
(أف6: 17).. فالإشارة هنا ليست إلى الكتاب المقدس بكامله باعتباره كلمة الله بل إلى جزء خاص منه يُذكرنا به الروح القدس في وقت الإحتياج"(16)..
وهكذا فمع أن كلاً من اللوغوس" و"الريما" يُترجمان "بالكلمة" ويُطلقان على كل أنواع الحديث، إلا أن لكل منهما مدلوله الخاص إذا ما استُخدم على نحو خاص..
اللوغوس كلمة تُقدم موضوعاً شاملاً وعاماً.. أما الريما فهي أكثر للحديث الشخصي، تأخذ من الكلمة اللوغوس وتقدم كلاماً يخص أموراً محددة(17)..
والآن، ألا ترى معي أن التمايز بين "الكلمة اللوغوس" و "الكلمة الريما" يحدد لنا هدفي قراءة الكتاب المقدس اللذين ذكرناهما من قبل..
فإذا قدمت لك قراءتك في الكتاب فكر الرب بشأن موضوع معين، فهذه هي كلمة الله "اللوغوس"..
أما إن تحدثت إليك بآيات قليلة عن احتياجك الحالى فهذه هي كلمة الله "الريما"..
مثال يوضح الفرق
في صلاة الرب العظيمة قبيل آلامه هناك مقطع نجد فيه اللفظين "ريما" و "لوغوس" متجاورين.. يقول الرب في صلاته:
"قد حفظوا [أي التلاميذ] كلامك [الترجمة الأدق كلمتك].. لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم، وهم قبلوا.. وآمنوا" (يو17: 6،8)
في الأصل اليوناني نجد أن "كلامك" في الشطر الأول، "والكلام" في الشطر الثاني ليسا ترجمة للفظ واحد..
كلامك هو لوغوس
الكلام هو جمع ريما
في الشطر الأول يشهد الرب أن التلاميذ حفظوا "اللوغوس".. والمقصود باللوغوس هنا هو رسالة العهد الجديد الكاملة.. لقد قبلها التلاميذ وخضعوا لها..
والشطر الثاني يُفسر الأول كيف حفظ التلاميذ الكلمة اللوغوس..
كثيراً ما استمع التلاميذ للرب، وفي كل مرة كانوا يستمعون منه إلى كلمة تتعلق بأمر خاص.. إنها الكلمة الريما، كانوا يقبلونها فكانت تخلق فيهم إيماناً بها.. لاحظ معي قول الرب "قبلوا وآمنوا"..
لم يقبل التلاميذ من الرب رسالة العهد الجديد الكاملة "اللوغوس" دفعة واحدة، بل عبر أحاديث عديدة كان لكل حديث منها رسالة خاصة أو حدث معين.. هذا الحديث ذو الرسالة الخاصة هو "كلمة الله الريما"..
والآن اُنظر إلى أعظم الكتب، الكتاب المقدس ..
تستطيع وأنت تقرأه أن تصغي إلى كلمة الله "اللوغوس"، وأيضاً إلى كلمة الله "الريما"..
تصغي إلى كلمة الله اللوغوس لتعرف فكر الله وطرقه تجاه المواضيع المختلفة..
وتصغي إلى كلمة الله الريما لتستمع قول خاص من الله يتعلق بأمورك الخاصة..
أصغ إلى الكلمة اللوغوس
الكتاب المقدس هو الكلمة اللوغوس لأنه يحوي فكر الله الشامل تجاه الأمور المختلفة.. إن كل موضوع تدرسه في الكتاب المقدس عن أمر معين يمكنك أن تقول عنه إنه كلمة الله اللوغوس، أي إعلان الله الشامل عن هذا الأمر..
اقرأ في الكتاب المقدس باعتباره الكلمة اللوغوس.. فتش فيه باجتهاد.. تذكر كلمات الرب "فتشوا الكتب [أي أسفار الكتاب]" (يو5: 39)..
لن يكون أبداً وقتاً ضائعاً.. تأكد أن أموراً عظيمة سيصنعها الروح القدس معك..
ستتنقى:
"أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام [في اللغه اليونانية لوغوس، والترجمة الأدق كلمة] الذي كلمتكم به" (يو15: 3)
ستنمو:
"أستودعكم يا أخوتي لله ولكلمة [لوغوس] نعمته القادرة أن تبنيكم" (أع20: 32)
وستعرف فكر الرب
نحن بأذهاننا العادية نجهل فكر الرب "لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم" (أش55: 9).. لكن شكراً للرب، فبالكلمة اللوغوس يُفهمنا فكرة فيصير لنا "غنى يقين الفهم" (كو2:2)..
الكلمة اللوغوس تجعلك تفهم فكر الرب في مُختلف الأمور التي تتعلق بك.. ستعرف أن تُميز بين الثمين والمرذول (إر15: 19)، وستصير قادراً على رفض الشر واختيار الخير (أش7: 15).. تُميز الأمور المتخالفة (في1: 10)، وتمتحن كل شئ (1كو2: 15)..
يا لقوة الكلمة!! إنها تنير وتُعقل الجهال (مز119: 130)، و"تُصَير الجاهل حكيماً" (مز19: 7)..
إنها تُعرفك فكر الرب الذي يجب أن تخضع له (يع1: 22)، لكي يتزكى طريقك (مز119: 9)، ولا تتقلقل خطواتك (مز37: 31)..
كلما فتحت الكتاب المقدس لتقرأ، فتش فيه.. تذكر أنه يُقدم لك كلمة الله "اللوغوس"، الإعلان المجيد لفكر الله..
تذكر أيضاً أن أحد أسماء الرب يسوع هو الكلمة "اللوغوس".. فالرب هو الإعلان الكامل والمطلق للآب (عب1: 2، يو1: 18، 14: 9)..
حينما تقرأ في الكتاب المقدس، ثق أنك في حضرة الرب الكلمة.. يسوع الذي يُحبك جداً.. الذي مات من أجلك..
هو بنفسه الذي يفتح ذهنك لتفهم المكتوب، ألم يفتح من قبل أذهان التلاميذ ففهموا ما لم يستطيعوا أن يفهموه بذواتهم؟ ألم يقل عنه الكتاب: "حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب [أي الأسفار]" (لو24: 45)..
وهو بنفسه سيفتح قلبك ليُفرحَّهُ بالكلمة مثلما فعل مع ليديه بائعة الأرجوان "ففتح الرب قلبها لتصغي" (أع16: 14)..
وهو الذي سيوضح لك بالروح القدس ما تقرأه، مثلما فعل مع تلميذي عمواس.. استمع إلى شهادتهما الصادقة: "ألم يكن قلبُنا مُلتهباً فينا إذ كان يُكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكُتب" (لو24: 32)
نعم سيُعطيك الفهم.. والقلب الملتهب..
وهو الذي سيفتح الكتاب أمامك كما فعل في مجمع الناصرة "فتح السفر" (لو4: 17).. سيفتح الكتاب لكي يُعلمك منه وليُعطيك "فهماً في كل شئ" (2تي2: 7)..
إقرأ في الكتاب واثقاً أن الرب الكلمة سيملأك بالكلمة..
لا تدع وقتاً طويلاً من اليوم ينصرف دون أن تأخذ شيئاً من الكتاب..
استغل كل فرصة مُتاحة لتقرأ فيه، ولو لدقائق قليلة..
وإينما ذهبت أحمله معك، حتى إذا سنحت الفرصة أحسنت استغلالها.. لقد حمل الوزير الحبشي نسخة من الكتاب وهو في رحلته إلى أُرشليم وكان يقرأ فيه، فكانت سبباً في خلاصه وفي عودته فرحاً (أع8: 26-35)..
ليكن الكتاب صديقك الأقرب الذي تتلهف باستمرار للجلوس معه، لتصغ إلى الرب الكلمة وهو يُحدثك من خلاله.. هللويا سيملأك بالكلمة اللوغوس، بأفكار الله.. وأيضاً سيسمعك كلمة الله الريما..
أصغِ إلى الكلمة الريما
الرب يحبك جداً، وفي قلبه أن يتحدث إليك بكلمات تتعلق بحياتك وتمسها في الإعماق.. كلمات تلمس احتياجك الحقيقي الحالي، تؤمن بسلطانها عليك.. هذه الكلمات هي التي تُسمى بكلمة الله "الريما"..
هي بعض من آيات الكتاب حين يتحدث بها الرب إلى قلبك بأمر يخصك..
عادة خلال بحثك اليومي في الكتاب المقدس عن وعود تناسب احتياجك..
وأحياناً أثناء قراءتك في كتاب روحي، حين تلمسك بعض الآيات التي اقتبسها الكاتب
وقد تأتي إليك هذه الآيات وأنت تستمع إلى عظة روحية على فم واعظ يستخدمه الرب..
ومرات يستخدم الرب شخصاً أو حدثاً ليُذكرك بآيات معينة تعرفها من قبل..
وهي كلمات تصاحبها قوة للشفاء
في مزمور107 نقرأ عن شعب الله أنه اجتاز في ضيقة ثم صرخ إلى الرب.. كيف استجاب الرب للصراخ؟.. يقول المزمور: "أرسل كلمته فشفاهم" (مز107: 20)..
لقد أرسل كلمته، فماذا فعلت لهم؟.. لقد شفتهم.. إنها ليست كلمة عادية، إنها تحمل قوة عظيمة للشفاء والتحرير..
قد تكون كلمة الله "الريما" إجابة واضحة لتساؤلات في داخلك .. آنذاك ستحمل لك قوة تشفيك من الشك.. قوة تغمرك بسلام عميق يبدد القلق والحيرة..
وقد تأتي "الريما" مُبَكتة على خطية تُرحب بها، فتُظهر قوتها في شفائها لك من الخطية وإعطائك قوة للتحول والقيام ثم الثبات..
وقد تحمل لك وعداً أو أكثر له علاقة بظرف مُعين تمر به.. وعداً تُصاحبه قوة تشفيك من عدم الإيمان..
وهي كلمات تأتي بالإيمان والفرح
يقول الرسول بولس:
"الإيمان بالخبر [أي نتيجة لسماع الخبر] والخبر بكلمة الله" (رو10: 17)
كلمة الله في هذه الآية هي "ريما"، فالقول الذي يهمس به الرب في أُذنك هو قول يخلق إيماناً في داخلك..
هو قول تُصاحبه قوة غير عادية من الروح القدس.. قوة تُبدد الشك والخوف، وتُعطي الإيمان..
يقول داود النبي: "صوت الرب بالقوة" (مز29: 4)..
وسليمان النبي يؤكد "حيث تكون كلمة الملك فهُناك سُلطان" (جا8: 4)..
الوعد الذي يُحدثك به الرب له سُلطان على ذهنك.. على قلبك.. وعلى الأحداث..
أيها الحبيب، هل اشتدت عليك هجمات مملكة الظلمة؟ هل تجتاز ظرفاً بالغ الصعوبة؟ هل أثَرت فيك الأحداث وأصابتك بالإعياء والغم؟.. لا تخف، الرب يُحبك جداً جداً، مكتوب عنه إنه يعرف أن يُغيث المُعيىَ بكلمة (أش50: 4)..
أنت تحتاج أن تستمع منه إلى كلمة "ريما" مُغيثة.. كلمة يُعضدك بها الرب ويُشجعك.. كلمة تملأ داخلك بالقوة "شجعتني قوة في نفسي" (مز138: 3)..
يقول لنا سفر الأمثال: "الغم في قلب الرجل يُحنيه والكلمة الطيبة تُفرحه" (أم12: 25)..
شكراً للرب فالكلمة الخاصة "الريما" التي سيحدثك بها هي كلمة طيبة أقوى من الغم، ستنزعه من القلب وستستبدله بالفرح..
إن وراء كلمة الله "الريما" قوة أعظم من كل قوى الخوف والقلق والشك التي يحاربك بها العدو..
فإذا كلمك الرب بآيات [ريما] من كتابه عن شفائك، حملت لك الآيات طاقة حياة تُبدد منك اليأس وتملأك بالسلام..
وإن كانت "الريما" التي حدثك بها الرب عن الخدمة، ستزودك بطاقة ضخمة للثقة في الثمر الكثير، والمُثابرة على العمل..
الريما تحتاج إلى اللوغوس
هل كنت تقرأ في الكتاب المُقدس ووثقت أن الرب يُكلمك من كتابه بوعد ما "ريما"؟
أبدأ بأن تمتحن هذا الوعد الذي فهمته..
هل هو حقاً وعد مرسل من الرب للظرف الذي تجوز فيه؟.. أم أنه سوء فهم للآيات بسبب رغبة خاصة في داخلك أو لوجود أفكار خاطئة مُسبقة في ذهنك أو بسبب تشويش من العدو؟
لابد أن تمتحن ما تفهمه.. هل هو حقاً وعد من الرب؟ أم هو تفسيرك الخاص؟
وكيف تمتحن؟
أن تدع الكلمة اللوغوس [ما يقوله الكتاب المقدس بكامل آياته عن هذا الوعد] يحكم لنا..
فأي فهم لوعدٍ ما "ريما" يتعارض مع ما يقوله الكتاب المقدس بكل آياته معاً [الكلمة اللوغوس] هو وعد توهمته أنت.. هو ليس وعداً من الرب بل من تفسيرك المُضلل..
أيها الحبيب، هل تريد أن تكون متيقناً أن فهمك للوعد ليس من تفسيرك الخاص؟ هيا قارن الآيات التي تحوي الوعد بآيات أُخرى يتحدث فيها الكتاب المُقدس عن ذات الأمر..
تذكر ما قاله داود في المزمور "بنورك نرى نوراً" (مز36: 9).. فكل نور من الكتاب المقدس يحتاج إلى نور آخر أيضاً من الكتاب يحميه من التفسير الخاص..
تأمل ما قاله بطرس في رسالته الثانية:
"كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص" (2بط1: 20)
لقد وردت هذه الأية في إحدى الترجمات الدقيقة كالآتي:
"كل نبوة الكتاب لا يأتي تفسيرها من نفسها"(18)..
والمعنى هو أن الفهم الحقيقي للنبوة لا يأتي من قراءتها بمفردها بل من خلال رؤيتنا لها في ضوء الآيات الأُخرى للكتاب.. في ضوء "الكلمة اللوغوس"..
مثال للتوضيح
هذا شاب يفكر في التفرغ والإنطلاق في الخدمة..
كان يقرأ في الكتاب المقدس بانتظام في خلوته اليومية..
ذات يوم كانت قراءته في الأصحاح التاسع والعشرين من سفر إرميا.. أثرت فيه هذه الأية "لأني عرفت الأفكار التي أنا مفتكر بها عنكم يقول الرب أفكار سلام لا شر" (إر29: 11)..
شعر أن الرب يتحدث إليه ويعطيه وعداً بالسلام.. وأنه لن تقابله ضيقات في خدمته، وكل شئ سيكون سهلاً..
هل هذا الشعور صادق؟
هل هذا حقاً إعلان من الرب "ريما" يمكن أن يؤمن به؟
إذا عُدنا إلى "الكلمة اللوغوس"، إعلان الله الكامل عن الخدمة لعرفنا أن هذا الشاب قد أخطأ الفهم.. فهي لا تقول لنا أننا لن نواجه صعاباً أو ضيقات في الخدمة بل على العكس تماماً (يو15: 18،19- مت24: 9 – أع14: 22)..
إنها تُعلن أننا سنواجه صعاباً وضيقات لكنها تُضيف بأن شيئاً لن يقدر أن يُعطل سلامنا الداخلي أو أن يُقلل من تعزيات الروح لنا أو أن يُضعف من قوتنا في المسيح..
الكلمة تُعلن أننا سننتصر.. سندخل حروباً وسيُمتعنا الرب بغلبته.. ولن يقدر العدو أن يعوق راحتنا أو ثمرنا..
الكلمة اللوغوس تُفهمنا إن السلام المقصود لا يعني اختفاء الضيقات بل الانتصار عليها، فلن تقدر أن تنزع من القلب سلامه وراحته.. وهكذا فإن ما فهمه هذا الشخص لم يكن إعلاناً من الرب "ريما" ويمكنه أن يؤمن به..
سيدي..
احم ذهني من كل سوء فهم للريما..
ولكل وعد شروطه
لنفترض أنك قرأت اليوم من الكتاب المقدس، وتحدث الرب إليك من خلال بعض الآيات.. وحَمَلَ الحديث لك وعداً "ريما" يناسب احتياجك..
ولنفترض أنك فتشت الكتاب المقدس ككل، وتيقنت أن الكلمة اللوغوس تتفق معك في فهمك لهذا الوعد..
لقد بقي أمر آخر.. كل وعد يعطيه الرب يتطلب شروطاً معينة.. و"الكلمة اللوغوس" هي أيضاً التي تُعرفك بهذه الشروط..
لنأخذ مثالاً
شخص يعاني من ضائقة مالية، سمع أحد الخدام يعظ مُردداً كلمات الرسول بولس:
"فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد" (في4: 19)
لكن هل يكفي أن يتمسك بهذا الوعد؟
هنا يأتي دور الكلمة اللوغوس [الإعلان الشامل للكلمة] ليقول له أن هناك شرطاً هاماً لابد من إتمامه..
الكلمة اللوغوس [إعلان الكتاب المقدس ككل عن تسديد الاحتياجات] تضع شرطاً، وهو أن يكون لهذا الشخص اتجاه العطاء.. أن يشارك في تسديد احتياجات الخدمة والخدام والفقراء، وأن يشارك بفرح وسخاء..
الكلمة اللوغوس تؤكد هذا الشرط في مواضيع متفرقة من الكتاب المقدس (أم11: 24، في4: 15، لو6: 38، 2كو9: 6)..
مثال آخر
أحد الخدام كان يقرأ في الأصحاح الثلاثين من سفر إرميا، وآمن أن الرب يكلمه بهذه الآيات:
"أُكثرهم ولا يقلون وأعظمهم ولا يصغرون" (إر30: 19)
يا له من وعد بالثمر الكثير!! فهل يكفيه أن يثق في هذا الوعد لكي يكثر ثمره؟
هناك شروط للثمر الكثير يقدمها لنا الكتاب المقدس في إعلانه المتكامل عن الثمر "الكلمة اللوغوس"..
في إنجيل يوحنا مثلاً يقول لنا الرب:
"كل من يأتي بثمر ينقيه [الآب] ليأتي بثمر أكثر" (يو15: 2)
فماذا لو رَفَضَ هذا الخادم تنقية الرب له؟.. ماذا لو رَفَضَ أن يترك أشياء معينة يريد الرب أن ينزعها منه لأنها تعوق استخدامه؟
ماذا لو رَفَضَ الإتضاع أمام الرب ليُنقيه؟ هل من الممكن أن يقتني إيماناً حقيقياً بالثمر الكثير لمجرد أنه أصغى إلى كلمة الله "الريما"؟..
كلا، الإصغاء إلى "الريما" يحتاج إلى إصغاء آخر للوغوس..
أيها الحبيب
في كل مرة تستمع فيها من الرب إلى وعد يناسب احتياجك الروحي أو المادي، اقض وقتاً كافياً مع الكتاب المقدس تفتش فيه عن إعلان الله الكامل من جهة هذا الوعد [الكلمة اللوغوس]..
اطلب أن يقودك الروح القدس لكي تُفتش في الكتاب..
لتتيقن أنك لم تُسئ فهم الوعد، وأن احتياجك هو حقاً موضوع هذا الوعد..
ولتعرف الشروط التي تطلبها منك الكلمة لكي يصير إيمانك بهذا الوعد إيماناً مثمراً
ودعني أهمس في أذنك..
انتبه إلى هذه الشروط الثلاثة الهامة.. بدون أي واحدة منها لن يحقق لك الرب أي وعد مما وعدك به..
الشرط الأول: أن تثق أن خطاياك مغفورة..
والشرط الثاني: أن تقاوم الخطية..
والشرط الثالث: أن تغفر لمن اساء إليك..
الشرط الأول: أن تثق
لا حظ معي ترتيب الكلمات في هذه الآية من مزمور 103..
"باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته. الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك الذي يفدي من الحفرة حياتك.. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك" (مز103: 2-5)
إن غفران الخطايا يسبق الشفاء والحماية والشبع بالخير.. إنه شرط هام لتحقيق وعود الكلمة (انظر أيضاً 2أخ7: 14 – مر2: 9، 11 – إش31: 5 – يو5: 14)
أيها القارئ.. قد تكون ضعيفاً أمام خطية معينة، هذا يجب ألا يُعطل مطلقاً ثقتك في غفران الرب الشامل لك.. كل مؤمن وُلِدَ من فوق له أن يثق أن كل خطاياه قد غُفرت من أجل اسم الرب يسوع (1يو2: 12).. أن تثق أن الله لا يحسب له خطية (رو4: 7).. أنه بار في المسيح (2كو5: 21)، وليس لإبليس أن يشتكي عليه (رو12: 10)..
لا تسمح للإحساس بالذنب أن يسيطر عليك، لقد غفر الرب خطاياك.. تمتع بالراحة التي يعطيها الإيمان بالغفران (رو5: 1).. اعلن إيمانك أنك في المسيح مبرر..
الشرط الثاني: أن تقاوم
لكن ليس معنى أنك مبرر أن تُرحب بالخطية ولا ترفضها.. عدم مقاومة الخطية أمر خطير جداً، فهو يُعطل شركتك مع الرب (إش59: 2)، ويعوق إستجابة صلواتك (مز66: 18)..
احكم على نفسك.. دِن خطاياك في محضر الرب.. اعترف بها، قاومها..
الشرط الثالث: أن تغفر
وعن هذا الشرط نقول باختصار أنه ليس مثل عدم الغفران للآخرين، خطية تعوق تحقيق إيماننا بالوعود..
لا تقل إني عاجز.. حاولت مراراً وفشلت..
حسناً، يكفي الرب اتجاه قلبك.. يكفيه اصرارك أن تتحرر من عدم الغفران.. قد تكون عاجزاً الآن عن أن تتخلص من المرارة.. لن يكون هذا عائقاً أمام تحقيق أي وعد ما دمت تطلب بإخلاص من الرب أن يُعطيك صفحاً للآخرين، ونسياناً لأخطائهم..
ما يريده الرب أولاً هو اتجاه قلبك..
قف ضد خطية عدم الصفح.. اُطلب البركة لمن أساء إليك.. انتظر واثقاً أن الرب سيعطيك القدرة على الغفران للآخرين ونسيان أخطائهم..
هكذا تزيل أهم عائق أمام تحقيق الوعود..
الرب يحبك جداً..
هل تحتاج الآن إلى وعد لتؤمن به، للإنقاذ من خطر أو لتسديد احتياج ما أو لحل مشكلة صعبة أو لتنقل جبلاً يعترض راحتك وسلامك؟
فتش في الكتاب المقدس عن وعد يناسب موقفك الراهن.. لقد كُتب لك.. إنه الريما، إعلان الرب الخاص الذي يريدك أن تصغي إليه بقلبك..
وفتش فيه أيضاً عن الكلمة اللوغوس التي تختص بهذا الوعد لكي تتأكد أنه حقاً وعد من الرب لحالتك، ولكي تعرف شروط تحقيقه..
أصغ إلى الريما الإعلان الخاص، وإلى اللوغوس الإعلان العام.. أنت تحتاج أن تصغي إليهما وأن تنشغل بهما لتقتني الإيمان الذي يغير الأحداث وينقل الجبال..
ما أعظم الكلمة، الريما واللوغوس..
إذا ذهبت تهديك
وإذا نمت تحرسك،
وإذا استيقظت فهي معك (أم6: 22)..
القس دانيال