لا تطرح ثقتك
2 اضبط أفكارك
أيها القارئ
هل تُعاني من الخوف، من الحيرة والقلق؟
هل تشكو سوء الحياة، هل تتعرض لضغوط اقتصادية تهدد أمانك؟
هل تخشى من نتائج حماقات ارتكبتها بالماضي؟
هل تسيطر عليك خطايا معينه وترغب في أن تتحرر منها؟ هل تؤذي هذه الخطايا نفسيتك بقيودها القاسية؟
هل فقدت الأيام لذتها وحلاوتها في عينيك؟
هل تؤلمك مشاكل وخلافات أُسرية لا تعرف لها مخرجاً؟
هل تشتاق أن تُمَجَّد الله بحياتك ولا تقدر؟ هل، هل؟؟
أيها الحبيب، أنت تحتاج أن تحيا بالإيمان .. وأن تنمو في حياة الإيمان بالكلمة..
الإيمان هو الثقة المطلقة
نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين تعريف الإيمان أنه "الثقة بما يُرجى والإيقان بامور لا تُرى" (عب11: 1)..
لقد تحدثنا في الفصل السابق عن القسم الثاني من هذا التعريف، والآن نعود إلى قسمه الأول "الإيمان هو الثقة بما يُرجى"..
الإيمان هو الثقة بما يُرجى
اُنظر هناك علاقة بين الإيمان والرجاء، فالتعريف يقول ببساطة: الإيمان هو أن يكون لنا اليقين بأن ما نرجوه سوف يتحقق.. والتعريف يقول أن الرجاء يسبق الإيمان .. في البداية يكون لنا الرجاء بأن هذا الوعد سوف يتحقق ثم بعد ذلك يكون لنا الإيمان بأنه حتماً سيتحقق.
الرجاء يسبق الإيمان .. ولنقرأ لمزيد من الإيضاح ما كتبه الرسول بولس في الرسالة الأولى إلى تسالونيكي..
"فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص" (1تس5: 8)
لاحظ أن الإيمان هو الدرع .. والرجاء بالخلاص (الإنقاذ) هو الخوذة..
الدرع يستخدم لحماية صدر الإنسان ولا سيما قلبه.. أما الخوذة فهي لحماية الرأس.. الإيمان يُشَبَّه بالدرع، والرجاء بالخوذه لأن الإيمان أمر يختص بالقلب أما الرجاء فهو للرأس، للذهن..
الإيمان هو أمر يحدث في قلبك، لذا يقول الرسول بولس: "القلب [وليس الذهن] يؤمن به" (رو10:10)، أما الرجاء فيتعلق بالذهن.. والقلب غير الذهن، وقد ميز الرب يسوع بوضوح بينهما حينما قال "تُحب الرب إلهك من كل قلبك .. ومن كل فكرك" (مت22: 37)..
المقصود بالقلب
أنت لك قلب وذهن، وبالطبع ليس المقصود بالقلب تلك العضلة الهامة التي تضخ الدم داخل الجسم..
حين تقول قلب المشكلة فأنت تعني مركز أو أساس المشكلة..
وحين تقول قلب الموضوع فأنت تعني أهم ما في الموضوع..
عندما يتحدث الله عن قلب الإنسان فهو يتحدث عن مركزه وأهم جزء فيه.. إنه يقصد إنسانك الباطني المختبئ خلف جسدك المنظور، الذي هو روحك..
من الذهن إلى القلب
فالكلمة حين تسمعها لا تتجه مباشرة إلى قلبك (روحك).. إنها تمكث أولاً في ذهنك تماماً كما يمكث الطعام بعض الوقت في فمك قبلما يستقر في معدتك..
وحينما تستقر الكلمة في الذهن تخلق فيه رجاءً، ولكن حينما تبلغ إلى القلب (الروح) تسكن فيه وتعطيه الإيمان..
الذهن له رجاء، له أن يتوقع خلاص الرب..
أما القلب فله الإيمان، له الثقة واليقين..
هناك فرق بين أن ترجو حدوث أمر، وبين أن تثق أنه سيحدث.. الثقة هي الإيمان .. اُنظر معي ما قاله الكتاب عن إبراهيم...
"فهو على خلاف الرجاء آمن على الرجاء لكي يصير أباً لأُمم كثيرة" (رو4: 18)
في البداية لم يكن لإبراهيم أي رجاء أن سارة ستلد له أبناً.. لكن الرب تحدّث إليه بكلمة خاصة تقول له "قد جعلتك أباً لأمم كثيرة".. صار لإبراهيم رجاء في ذهنه ثم انتقل هذا الرجاء إلى قلبه فتحول إلى إيمان "آمَنَ على الرجاء" .. وصار الإيمان واقعاً.. صار إبراهيم أباً لأمم كثيرة..
وأنت أيضاً تستطيع أن تفعل ما فعله إبراهيم..
هل تجتاز أزمة اقتصادية قاسية؟.. هل كل الظروف تقول لك إنه لا رجاء في أموال تأتي؟.. ماذا تفعل؟.. اذهب إلى الكلمة، فتش فيها.. ستجد أنها تُحدثك عن الرب الذي لا يُخزي مُنتظروه (إش49: 23)، والذي لا يدعهم يحتاجون شيئاً (مز23: 1).. تأمل في هذه الآيات، فكر فيها.. للآيات قوة على ذهنك، ستخلق فيه رجاءً بأن الأزمة ستعبر..
لكن هذا الرجاء بمفرده لن يغير الواقع.. انت تحتاج إلى ما بعد الرجاء.. تحتاج إلى الإيمان..
كيف يصيرالرجاء إيماناً؟.. عندما تنتقل الآيات من ذهنك إلى قلبك أي إلى روحك، ستخلق فيه إيماناً، والإيمان وليس الرجاء هو الذي يحول الوعود إلى واقع ملموس..
الــدلـــيل
ولكن كيف تتأكد أن الأمر قد صار إيماناً ولم يعد مجرد رجاء في الذهن؟
حينما تستقر وعود الكلمة في قلبك، سيصير داخلك مختلفاً تماماً، وستلحظ هذا الإختلاف بوضوح.. سيختفي القلق، سيسري السلام العميق في كل كيانك، وستشعر بالراحة.. ولن يكون ذلك شيئاً مفتعلاً أو وهماً نفسياً.. فقد لا تتغير الظروف في الحال بل قد تزداد سوءاً، لكن هذا لن يُعطل طمأنينتك.. لقد صار السلام قوياً ثابتاً.. لقد آمن قلبك، وصار يرى الوعود حقيقة قائمة، وكل ما يختلف معها كذباً وخداعاً..
هنا يكون القلب قد آمن إيماناً حقيقياً.. لقد ارتدى درع الإيمان الذي يحميه من الإضطراب والخوف، ويحفظة في سلام وطمأنينة..
أيها القارئ، هل صار لك سلام من جهة تحقيق وعد ما؟ وهل صار هذا السلام عميقاً، ثابتاً ومُستمراً؟ هل صرت قادراً على طرد أفكار الخوف والقلق؟.. هذا هو الدليل على أنك امتلكت الإيمان الحقيقي.. الإيمان الذي حتماً سيرى هذا الوعد مُحققاً
مثال
شخص أُغلقت أمامه كل مجالات العمل.. حاربه إبليس بفكر الفقر ومذلة العوز.. ساءت نفسيته جداً، وساءت أيضاً صحته تباعاً.. صار عنيفاً في علاقاته مع الآخرين، وشارداً أغلب الوقت.. أظلمت أمامه الحياة..
لكن شيئاً حدث، بدّل حالة!..
كان في إحدى الإجتماعات الروحية حينما تحدث الواعظ عن الله الذي يسدد الإحتياجات، الذي عَالَ شعبه أربعين سنة في برية قاحلة، ولم يحتاجوا شيئاً (نح9: 21).. وكيف سَخَرَ الغربان لكي يُطعِموا إيليا في زمن المجاعة (1مل17: 6).. وكيف تدخلَ لإنقاذ إمرأة صرفة صيدون وهي على وشك الموت بسبب الجوع، فأحياها هي وإبنها مستخدماً مجرد كف من الدقيق وقليل من الزيت (1مل17: 15، 16)..
أثرت فيه الكلمات التي سمعها جداً، فبدأ يفكر أن إله الشعب وإله إيليا وإله هذه الأرملة هو أيضاً إلهه.. فكر أنه من الممكن أن يصنع معه كما صنع معهم، فهو واحد من المؤمنين الذين فتحوا قلوبهم للرب يسوع فلماذا لا تحدث معجزة في حياته؟!
استمر يفكر بهذه الطريقة، وبدأت الأفكار المُحبطة تتلاشى من ذهنه تدريجياً، لتسود بدلاً منها فكرة أن الرب يستطيع أن ينقذه كما فعل مع إيليا والأرملة..
وهكذا ابتدأ ذهنه يمتلئ بالرجاء في الخلاص، إن الرب يستطيع أن ينقذه.. إنه يرتدي الآن خوذة هي "رجاء الخلاص" (1تس5 :8)، من الأزمة المالية .. وصارت هذه الخوذة تحميه من كل الأفكار السلبية والمخيفة التي كانت تزيده يأساً وتجعله عاجزاً عن التفكير السليم..
لكن كل هذا لم يكن ليكفي كي يرى الخلاص واقعاً..
كان لابد للرجاء الذي صار في ذهنه أن يتحول إلى إيمان في قلبه..
كان لابد أن تتحول الكلمات التي في ذهنه أن الرب يستطيع أن يُخلصه من المشكلة إلى يقين تام في قلبه بأن الرب يُريد أن يُخلصه من المشكلة..
كان لابد أن يمتلك الإيمان الكامل بأن المشكلة ستنتهي..
بعد أيام امتلك الإيمان .. أتى هذا اليقين إلى قلبه، وفاض في داخله سلام مصدره الروح القدس.. لم تتغير الأمور في الحال، لكن هذا لم يهز طمأنينته ولم يزعزع ثقته في أن الرب سيعمل المعجزة..
وبدأ الإيمان يجني ثماره.. وكانت عظيمة! تُغير الواقع.. انفتحت أمامه الأبواب .. تدفقت عليه الأموال، واختبر تعويض الرب العجيب الإعجازي..
إن بداية طريق الإيمان كان في انتصاره في معركة الذهن.. في امتلاكه أولاً للرجاء..
الرب يريدنا أن نرتدي خوذة الخلاص (اتس5: 8)، أن تمتلئ أذهاننا برجاء أن الرب سيُخلصنا..
إن كلمة "خلاص" في أصلها اليوناني تأتي من الفعل "سوذو" “sozo” وهو فعل استُخدم في العهد الجديد للتعبير عن الخلاص من المرض (مت9: 21، لو8: 48، يع5: 15)، ومن الخطر (مت8: 25، يو8: 48، يع5: 15).. واستُخدمَ أيضاً للتعبير عن الخلاص من سيطرة الأرواح الشريرة (لو8: 36)(5)..
الرب يُريد لأذهاننا أن تمتلئ برجاء الخلاص من كل هذه الأمور..
لا تنشغل بخطورة المرض أو مخاطر الطريق أو أعمال العدو بل إله الرجاء (رو15: 1 و2) الذي يُخلص من كل مرض ويفدي من كل حفرة (مز103: 3، 4) ويُحرر من كل قيد (يو8: 32) ويُحول اللعنة إلى بركة (تث23: 5)..
ذهنك ثمين جداً
هل أدركت معي أهمية سلامة الذهن للنمو في الإيمان؟ وهل أدركت احتياجك الدائم إلى ذهن سليم يستقبل وعود الكلمة ويتجاوب معها ثم ينقلها بعد ذلك إلى قلبك (روحك)؟
تأمل معي ما يقوله سفر الأمثال عن أهمية الذهن..
"لأنه كما شَعَرَ في نفسه [كما فكر as he thinks (KJV)] هكذا هو"
(أم23: 7)
والكلمات واضحة تؤكد أن ما يحدث في ذهنك يُشكل شخصيتك.. فإذا امتلأ ذهنك بالأفكار المُشجعة الإيجابية، أفكار الرجاء في البركة والحماية والنجاح.. وإن ارتدى خوذته "رجاء الخلاص" (أف6: 17، 1تس5: 8)، فامتلأ بأفكار الرجاء في الخلاص من اللعنات والمخاطر والفشل، صار سهلاً عند الإحتياج أن ينتقل منه وَعد الكلمة المناسب إلى القلب ليخلق فيه إيماناً.. والإيمان يأتي بالنصرة على الظروف المضادة..
وهكذا فالأفكار الإيجابية تساعدك أن تكون إنساناً ناجحاً، قادراً على امتلاك الإيمان، لتحيا حياة منتصرة ومجيدة ترى معجزات الله..
والعكس أيضاً صحيح، لو كان ذهنك قد اعتاد الإنشغال بأفكار الخوف والفشل والعجز، فهو لا يرتدي خوذة "رجاء الخلاص"، ولذا يصبح من السهل على العدو أن يسلب منك فرحك وسلامك ونجاحك، لأنك لا تمتلك الرجاء الذي يأتي بالإيمان..
إن ما يحدث في ذهنك يؤثر بكل تأكيد على قلبك (روحك)، وبالتالي على كل شئ فيك.. اُنظر إنه يؤثر على صحتك، فكم من أمراض سببها المباشر أو يساعد على الإصابة بها إستسلام الذهن لأفكار الخوف والغضب والقلق..
اهتم بذهنك أيها القارئ الحبيب.. اهتم به جيداً.. كُن حذراً، فالعدو يحاول أن يُؤثر عليه بالأفكار السلبية المُتشائمة.. العدو يعلم أنه إذا انتصر عليك في ذهنك سَهُلَ عليه أن يهزمك في المعارك المتعلقة بصحتك أو بعائلتك أو بأمورك المادية أو بخدمتك..
لا تنس هذه الحقيقة أن الشخص لا يُمكن أن يغرق إن لم تغمر المياه رأسه..
إبليس يريد أن يغمر رأسك بمياه الخوف والشك والقلق لكي يسهل عليه هزيمتك..
أيها القارئ الحبيب، لا تخش إبليس في هذه المعركة.. أنت أقوى منه بكل تأكيد..
أنت ابن القدير..
أنت مفدي بدم الحمل..
أنت مسكن للروح القدس..
لك سلطان أن تدوس بقدميك على قوات إبليس (لو10: 20)..
لك سلطان أن تنتهرها بإسم الرب يسوع..
بكل تأكيد أنت أقوى من إبليس، وفي مقدورك أن تنتصر عليه في موقعة الذهن الهامة..
في إحدى المرات تحدث الرب مع تلاميذه عن وقت سيسقط فيه الناس من شدة الخوف "الناس يغشى عليهم من خوف" (لو21: 26).. فقال "[في ذلك الوقت] انتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب" (لو21: 28)
الرب يؤكد لهم أنهم مختلفون، ليسوا كغيرهم.. ليس لهم أن ينهزموا أمام الخوف..
أيها القارئ، سيأتي وقت يهجم فيه إبليس عليك بأمواج متتابعة من الأفكار المخيفة والمقلقة بهدف أن يُغرقك..
ربما تجد الناس من حولك خائفين تنطق أفواههم كلمات الهلع والإرتعاب..
الرب يقول لك: أنت شخص مختلف.. لقد أعطيتك نصرتي.. لك النعمة الغنية.. لست للخوف والهزيمة.. انتصب.. ارفع رأسك.. إن نجاتك تقترب..
إن كلمة "انتصب" في أصلها اليوناني هي كلمة “anakύpto” التي تتكون من شقين "ana" ويعني "رجوع" “back again”، والثاني “kύpto” ويعني "ينحني" “to bend”.. فيكون معنى الكلمة الرجوع عن الإنحناء إلى الوضع الأصلي(6)..
هل انحنيت للمخاوف؟.. الرب يقول لك: أنا معك.. أنا أُعينك.. قم من انحنائك.. انتصب.. ارفع رأسك نجاتك قريبة.. كُن متأكداً من الإنقاذ..
انتصب .. قاوم الاستسلام لأفكار الخوف.. أنت تستطيع أن تُقاوم..
انتصب.. سد أُذُنيك عن سماع الكلمات المُقلقة.. أنت تقدر أن تفعل ذلك..
وارفع رأسك .. أرفعها فوق الأمواج.. أنت تستطيع لأن لك النعمة الغنية التي لن تتركك..
فكر في خلاص الرب لك..
فكر أن نجاتك قريبة .. قريبة جداً..
فكر مثل داود عندما كَثُرَعليه المُضايقون والذين يحاولون أن يُصيبوه بالإحباط واليأس.. لقد فكر في إلهه.. قال له "يا رب ما أكثر مُضايقيَّ.. أما أنت يا رب فترس لي. مجدي ورافع رأسي" (مز3: 1، 3)..
فكر أن الرب هو رافع رأسك.. يرفعها فوق الأمواج..
الرب يحبك، سيتدخل بقوته.. فَكر في هذا، واملأ ذهنك بأفكار الرجاء المشجعة..
إبليس يريد أن يفسد ذهنك
انتبه معي إلى هذه الكلمات التي يُحذرنا بها الرسول بولس من العدو إذ يقول:
"أخاف أنه كما خذعت الحية حواء بمكرها هكذا تُفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح" (2كو11: 3)
إبليس يُريد أن يُفسد ذهنك.. إبليس يُريد أن يُفقدك بساطتك..
إبليس لا يُريد ذهنك بسيطاً يُصدق الله في كل وعوده..
إبليس لا يُريد أن يكون ذهنك بسيطاً يُصدق أن وعود الله هي أيضاً لهذة الأيام، وأن زمن المعجزات لم ينته..
إبليس يُريد لذهنك أن يظل جسدياً (رو8: 6)، يستبعد من حساباته طرق الله الإعجازية في قيادتك وفي إنقاذك وتسديد احتياجاتك المتنوعة..
إبليس يُريد لذهنك أن يكون دائم الاستسلام للمخاوف لكي يظل متردداً عاجزاً في المواقف المختلفة عن اختيار القرار الذي يُمَجد الله.. الرسول يعقوب يقول "رَجُل ذو رأيين
[ذهن ذو رأيين a double minded man (KJV)] هو متقلقل في جميع طرقة" (يع1: 8)..
شكراً للرب فقصده من جهة أذهاننا أن تكون سليمة، لا تعاني من صراع الأفكار.. قصدة أن تمتلئ بالسلام..
شكراً للرب، فقد أعطانا بنعمته الغنية القدرة أن تحفظ أذهاننا سليمة في البساطة التي تُصدق بسلاسة وعود الرب..
ذهن سليم
لقد قَدَمَ لنا الوحي أربع خطوات رئيسية لامتلاك هذا الذهن..
عَرف ذهنك
جَدد ذهنك
منطق ذهنك
أحم ذهنك
عَرف ذهنك
هناك أهمية قصوى في معركة الحق.. الرب يقول لنا: "تعرفون الحق والحق يحرركم" (يو8: 32)..
الخطوة الأولى هي أن تعرف الحق الخاص بذهن المؤمن.. أن تعرف أنك كمؤمن مولود من فوق لك ذهن نقي..
إن معرفة هذا الحق تجعلك قادراً أن تقاوم أي ايحاء من العدو بأن ذهنك لن يكون في يوم ما نقياً مُحرراً من الشكوك..
يُقدم لنا الوحي هذا الحق في رسالة بطرس الثانية: "هذه أكتبها .. أُنهض بالتذكرة ذهنكم النقي" (2بط 3: 1)
يُخاطب الرسول بطرس المؤمنين ويقول لهم إن ذهنكم نقي.. هو يعلم أنه من امتياز كل مؤمن مولود من فوق أن يكون له ذهن نقي..
تأمل أيضاً ما يقوله الرسول بولس في الرسالة الأولى إلى كورنثوس: "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو 2: 16)
هذا حق كتابي .. أن لك فكر المسيح..
وفي الرسالة إلى فيلبي نقرأ هذا الوعد العظيم:
"وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وافكاركم في المسيح يسوع" (في4: 7)
إنه ايضاً حق كتابي أن لذهنك السلام وليس اضطراب وصراع الأفكار..
أيها القارئ الحبيب، لا تتحدث عن ذهنك بكلمات مُضادة لهذا الحق، لا تَقُل إنه ذهن عاجز أو مُشتت.. لا تتحدث بلغة العيان الذي يُعارض الحق..
قُل كلمات الإيمان عن ذهنك..
قُل كثيراً: لي ذهن نقي..
لي فكر المسيح..
لي سلام الله الذي يحفظ ذهني..
رَدد هذه العبارات لذهنك.. عَرفة الحق.. الحق الذي يُحرر..
الخطوة الأولى أن يعرف ذهنك هذا الحق، أن له الامتياز أن يكون نقياً متمتعاً بالسلام..
سيدي إنى أُصدق كل ما قلته عن ذهني
جدد ذهنك
لنقرأ معاً هذه الكلمات الهامة التي كتبها بولس الرسول إلى مؤمني روما:
"لا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو12: 2)
والكلمات تُحثُنا على فعل أمرين هامين..
الأول سلبي.. أن لا نُشاكل هذا الدهر.. والكلمة المترجمة تشاكلوا تُفيد تبني الأمور(7).. يكتب الرسول بولس قائلاً: "إله هذا الدهر قد اعمى أذهان غير المؤمنين" (2كو4: 4)..
إبليس هو إله هذا الدهر الذي يعمي الأذهان عن معرفة وعود الكلمة..
يحثنا الرسول: "لا تُشاكلوا هذا الدهر"، أي لا تتبنوا سلوك ومقاييس غير المؤمنين التي لا تضع في حساباتها وعود الكلمة.. لا تتبنوا طريقة تفكير غير المؤمنين التي تعتمد في حلها للمشاكل على الطرق التي تُمجد الذات ولا تتسم بالبذل من أجل الآخرين..
في حياتنا اليومية، نحن نحتك بكثير من غير المؤمنين.. هذا أمر طبيعي، لكن يجب أن نأخذ حذرنا كي لا نتعود سلوكهم وطريقة تفكيرهم التي تخلو من الاعتماد على الرب والإتكال على نعمته الغنية..
الثاني إيجابي.. أن تُجدد الذهن.. الرسول يقول: "تغيروا.. بتجديد أذهانكم".. وزمن الفعل في الأصل اليوناني هو “Present imperative” أي زمن الأمر المستمر(8)..
إنه أمر مستمر يجب أن نصنعه كل يوم أن نُجدد أذهاننا..
كيف نُجدد أذهاننا؟
يُجيبنا الرسول بولس بهذا المقطع الهام:
"ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها كما من الرب الروح" (2كو 3: 18)
هذه هي طريقة الله في تغييرنا، في تجديد أذهاننا.. أن ننظر مجده.. الرسول يؤكد أنه امتياز لكل مؤمن، فهو يقول: "ونحن جميعاً".. باستطاعتك أيها القارئ أن تنظر باستمرار مجد الله، وهكذا تتغير باستمرار ويتجدد ذهنك..
لاحظ أن الرسول بولس يقول: "ناظرين مجد الله كما في مرآة".. نعلم من رسالة يعقوب أن المرآة رمز لكلمة الله (يع1: 23- 25)، ففي الكلمة نرى الرب..
اقرأ الكلمة واثقاً أنك تتقابل مع الرب خلال القراءة..
عبر عن هذه الثقة بأن تتحدث معه وأنت تقرأ..
اقرأ كلمته .. تحدث معه.. افعل هذا في كل يوم..
اقرأ وتحدث معه في أفضل وقت من اليوم..
ماذا سيحدث؟
الروح القدس (الرب الروح) دائماً يُمجد الرب يسوع (يو16: 14).. سيُعطيك أن ترى مجد الرب يسوع وأنت تقرأ في الكلمة.. سيُعرفك من خلال الكلمة مجد الرب في سلوكه الكامل وفي حبه ونعمته الغنية، وغناه الذي لا يُستقصى (أف3: 8).. ورؤية مجد الرب ستُجدد ذهنك، وستُبدل طريقة تفكيرك..
أيها الحبيب، دعني أُصارحك إن إهمالك لقراءة الكلمة وعدم تَعَودكَ على التحدث مع الرب خلال القراءة لهما أكبر الضرر.. سيعوقان تجديد ذهنك، وإذا لم يُجَدد ذهنك لن تقدر أن تؤمن بالوعود..
منطق ذهنك
من المهم أن نسيطر على أفكارنا، ولا سيما عندما تُهاجم الأفكار المُخيفة أذهاننا.. لقد أعطانا الرب القدرة على ذلك.. استمع معي إلى الكلمات التي كتبها الرسول بطرس إلى مؤمنين كانوا يجتازون ضيقة شديدة، كان إبليس يُحاربهم بضراروة.. لقد كتب إليهم قائلاً:
"منطقوا أحقاء ذهنكم صاحين" (1بط1: 13)
أنت تستطيع أن تتحكم في أفكارك.. اُنظر، هذا الحق يؤكده لنا الرسول بولس في كلماته: "مُستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2كو 10: 5)، فما معنى أن تستأسر الأفكار؟..
أن تتعامل معها كما يتعامل القائد المنتصر مع أسرى الحرب..
ثق أن لك سُلطاناً على الأفكار، ستُخضعها لطاعة المسيح.. تُخضعها لطاعته في أمره لك، لا تخف (مر5: 36)، ولا تقلق (لو12: 29)، ولا تضطرب (يو14: 1)..
وهذه آية أُخرى تؤكد لنا نفس الأمر، إنه بإمكاننا أن نمطق أذهاننا وأن نتحكم في أفكارنا..
"كل ما هو حق كل ما هو جليل [يستحق التقدير] كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل ما هو مُسر [مُحَبب] كل ما صيته حسن إن كان فضيلة وإن كان مدح [أمر يستحق المدح] ففي هذه أفتكروا" (في4: 8)
أيها الحبيب، هل تجد أفضل من وعود الكلمة لتنطبق عليها هذه الصفات؟.. الروح القدس يقول لنا "ففي هذه افتكروا"..
انتبه إنه أمر، وحين يأمرنا الروح القدس أن نفعل شيئاً فهذا يعني أننا نقدر أن نقوم، لأنه لا يأمر فقط بل يُعطي مع الأمر العَضد الكافي..
إنه يُحبنا جداً، يُعين ضعفاتنا (رو8: 26).. يؤازرنا في ضيقاتنا لتمتلك أذهاننا الرجاء في تدخل الله لإنقاذنا (في1: 19)..
نعم الروح القدس هو الذي يجعلك قادراً أن تضبط فكرك وأن تحزمه برجاء الخلاص [الإنقاذ] وأن تحصره في وعود الكلمة..
صورة من العهد القديم
تأمل كيف كان الكاهن يضع الزيت على رأس الأبرص الذي شُفِيَ (لا14: 18)..
البرص كما نعلم يشير إلى حياة الخطية والزيت إلى الروح القدس، فلماذا كان يوضع الزيت على رأس الأبرص بعد شفائه؟.. لماذا الرأس؟.. لأن الخاطئ يحتاج بعد أن يأتي إلى الرب إلى عمل خاص من الروح القدس في ذهنه..
الروح القدس سيُعطيه القوة ليُمنطق ذهنه، وليحزم افكاره، وليفكر في الوعود.. سيُعطية القوة ليمتلئ بالرجاء..
الوعد يقول لنا أننا نزداد "في الرجاء بقوة الروح القدس" (رو15: 13)..
احمِ ذهنك
انتبه، لم يكن الكاهن يضع الزيت فقط على ذهن الأبرص بعد تطهيره بل أيضاً الدم.. كان الدم يوضع على الأُذن اليُمنى..
حَدثنا الزيت عن حاجة الذهن إلى الروح القدس لكي يتجدد.. ويأتي الدم ليُحدثنا عن الحماية..
الدم على أُذن الأبرص المُتطهر يُعلن أن الرأس قد صارت مِلكاً للرب، وليس للعدو قدرة أن يخترقها ليصل منها إلى القلب..
تذكر وقت موسى، كيف وضع شعب الله الدم على ابواب مساكنهم لكي لا يقدر المُهلك أن يدخل منها إلى الداخل ليؤذي إنساناً أو حتى حيواناً (خر12: 13)..
آه أيها الحبيب، إن ذهنك هو باب مسكنك الأرضي [الجسد].. هو المدخل لكيانك الداخلي [روحك].. هيا اعلن أن دم يسوع الثمين عليه..
اعلن أن ذهنك محمي من تأثير الأرواح الشريرة ولن تقدر بسبب إيمانك بالدم أن تخترقه إلى قلبك..
لكن إحذر العدو..
العدو كذاب.. قال عنه الرب إنه "كذاب وابو الكذاب" (يو8: 44).. قد ياتي وقت يهجم فيه العدو على ذهنك بأفكار شريرة متتابعة.. يهاجم ذهنك مُتناسياً أنه لم يعد له سُلطان عليه.. حينما يفعل ذلك، حينما يُهاجم ذهنك بأفكار الشك أو الخوف، ذكره بهذه الحقيقة.. إن ذهنك مِلك للرب، وأن الدم الثمين عليه يُعلن حمايته..
اغلب العدو بإعلان الإيمان بحماية الدم (رؤ12: 11)..
قُل لنفسك بصوت مرتفع: ذهني مِلك للرب.. ذهني ملك للرب..
قُل: بالإيمان أرى دم يسوع على ذهني..
قُل: دم يسوع على ذهني.. يُعلن أنه محمي..
قُل: ذهني محمي تماماً من تاثير شكوك ومخاوف العدو..
قُل: ذهني خاضع للكلمة، لأفكار الخلاص والإنقاذ.. ذهني غير خاضع لأفكار العدو..
أيها الحبيب، إذا هاجم إبلييس ذهنك بأي أفكار مضادة لوعود الكلمة.. قاومة بحسم، أكِّد له أن ذهنك محمي بالدم الثمين.. اطرده بعيداً.. إن لك سلطاناً أن تطرده، فالكتاب يؤكد لك قائلاً "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع4: 7)..
انتهر إبليس.. اطرد الأفكار الشريرة..
انتهره .. اطردها باسم الرب يسوع..
باسم الرب يسوع أنت منتصر.. بل أعظم من منتصر..
هيا اعلن الآن بالإيمان وقُل باسم الرب يسوع ذهني نقي.. ذهني نقي.. إبليس ليس له سُلطان عليه.. إبليس تحت قدمي..
بكل تأكيد ليس صعباً أن تمتلك ذهناً سليماً يمتلئ بالرجاء في وعود الكلمة..
عرف ذهنك إن له امتيازاً أن يكون نقياً له فكر الرب..
وجدده بأن تتقابل مع الرب في قراءتك المنتظمة للكلمة..
ومنطقه بأن ترفض الأفكار التي لا تضع وعود الرب في الحُسبان، وأن تملأه بأفكار الخلاص معتمداً على قوة الروح القدس..
واحمه بإعلان أنه مقدس للرب بسبب الدم الثمين..
كان بولس مأسوراً في السجن لكنه استطاع أن يقاوم أفكار القلق والخوف، نجح في أن يُمنطق ذهنه وأن يحميه من أفكار العدو، ويملأه برجاء أن الرب سيُخلصه من الخطر (في1: 19).. لذا استطاع أن يقول وهو لا يزال مأسوراً "حسب انتظاري ورجائي أني لا أُخزى في شئ" (في1: 20)..
كان بولس يضبط أفكاره بالرجاء في انه لن يُخزى في شئ.. وهكذا أنا وهكذا أنت يجب أن نضبط أفكارنا ونحصرها في دائرة الرجاء..
تذكر أن الإيمان هو الثقة بما يُرجى .. وليس صعباً أن يؤمن قلبك بما يرجوه ذهنك..
كيف؟.. هذا ما سنُحدثك عنه في الفصول المُقبله..
تذكر، لقد أعد الله كل شئ لأجلك..
سيدي..
كم اشكرك لأجل المحبة العظيمة التي أحببتني بها..
اشتريتني بالدم الثمين..
لأصير لك .. بجملتي..
سيدي..
كم أشكرك لأنك نقشت على ذهني بأحرف لا تُمحى "قُدس للرب" (خر39: 30)
فقد اشتريته لك لتجعله ذهناً جديداً، عليه إكليل دهن مسحتك (لا12: 12)..
لا يتوقع الفشل والكوارث..
بل ينتظر إحساناتك العظيمة ومعجزاتك المنقذة..
نعم سيدي،
احفظه لك، مُجدداً بكلمتك..
ممسوحاً بروحك، ومحروساً بدمك..
ليفكر دائماً كما تريده أنت..
يرجو دائماً خلاصك..
ويتوقع يومياً خيرك ورحمتك..
أشكرك لأنه لك، وسيظل لك إلى الأبد..
القس دانيال