لا تطرح ثقتك
10 تخلص من الضيقات
إنها لتساؤلات تفرض نفسها.. إن كان الآب السماوي يحبنا كمحبته لابنه الوحيد (يو17: 23)، وإن كان مستعداً أن يُنقذنا من كل خطر، وأن يُخلصنا من كل ضيق (مز34: 6)، ولا يدعنا نحتاج شيئاً (مز23: 1).. فكيف نقرأ في كلمته عن آلام تأتي إلينا (1بط2: 19، 4: 19)؟ ولماذا نسمع بين الحين والآخر عن مؤمنين أتقياء يعانون من ضيقات قاسية؟!
لنقرأ معاً المقطع الأخير من أصحاح الإيمان الشهير (عبرانيين11):
"والذين بالإيمان قهروا ممالك.. سدوا أفواه أسود.. أطفأوا قوة النار.. نجوا من حد السيف.. صاروا أشداء في الحرب"
"وأخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضاً وحبس. رُجموا نُشروا جُربوا ماتوا قتلاً بالسيف.. مُعتازين مكروهين مُذلين.. فهؤلاء كلهم مشهوداً لهم بالإيمان" (عب11: 33-39)
المقطع يتحدث عن فئتين من رجال الإيمان..
الأولى، رجال بالإيمان تخلصوا من الضيقات.. لم تقدر النيران ولا الأسود ولا قوة الممالك أن تؤذيهم..
والثانية، رجال، مع إنهم لم يتخلصوا من الضيقات إلا إنهم بالإيمان ارتفعوا فوقها، احتملوها بصبر، ولم يفقدوا سلامهم، ولم يتذمروا ولم ينكروا إلههم، بل ظلوا شاهدين له ومثمرين لمجده..
هم أيضاً اختبروا خلاص الرب، لكن ليس الخلاص من الضيقات كالفئة الأولى بل الخلاص في الضيقات..
فمتى أؤمن بالخلاص من الضيق؟.. ومتى أسير في ركب الفئة الثانية فأؤمن بالخلاص في الضيق؟..
متى يكون إيماني أن أنجو من السيف (عب11: 34)؟ ومتى يصير إيماني أن أقبل السيف لكي أمجد الله بموت يُعلن محبتي له (عب11: 37)؟
الإيمان كما عرفنا من قبل يعتمد على خبر نسمعه من كلمة الله.. وفي كلمة الله آيات تُعِدُ بالحماية والإنقاذ من الخطر والموت، وآيات أخرى تَعِدُ بالأمجاد في احتمال الألم..
فمتى أؤمن بالأولى؟ ومتى أتمسك بالثانية؟ هل من تناقض؟
كلا، لكن الأمر يحتاج منا أن نكون "خبيرين بالأوقات [أي أن نفهم الأوقات [to have an understanding of times (KJV)]" (1أخ12: 23)، لنفهم أهو وقت نستخدم فيه إيماننا للتخلص من الضيقات، أم هو وقت يعمل فيه الإيمان لتحمُل الضيفات ولتحويلها لخيرنا ولمجد الرب..
أيها الحبيب، هل تريد أن تكون خبيراً بالأوقات؟ أنت في احتياج إلى قضاء وقت كافٍ كل يوم عند أقدام الرب لتقرأ كلمته..
دراسة الكلمة هي مفتاح فهمنا للأوقات.. ما أثمن الساعة التي نقضيها مع الكلمة!! ليس من بديل لها، فيها نتعلم طرق الله ونعرف "إرادة الله الصالحة المرضية" (رو12: 2) لكل وقت نمر به..
وهذا الفصل والتالي له يساعدانك على مواجهة الضيقات.. هما يشغلانك بما تقوله الكلمة في هذا الموضوع.. ولنبدأ بما فعله آساف قديماً.. كان يبحث عن حقيقة أمر حيره جداً، فلم يجد إجابة ولم يسترح إلا بعد أن انفرد بالرب.. يقول في مزموره: "فلما قصدت معرفة هذا إذا هو تعب في عيني. حتى دخلت مقادس الله" (مز73: 16، 17)..
لقد ظل متحيراً حتى سمع الإجابة في المقادس..
لنفعل مثله ولندخل الآن إلى مقادس الله.. "لنا ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، (عب10: 19).. لندخل الآن ولننفرد بالرب ولنتحدث إليه بكلمات إيمانية مثل هذه:
كم أشكرك أبي السماوي،
لأنك ستُزيل حيرتي، وستُثبت خطواتي في كلمتك..
كم أشكرك لأنك تُريدني خبيراً بالأوقات
قادراً على التميز..
لأعرف متى أؤمن بالخلاص من الضيق،
ومتى أؤمن بالانتصار في الضيق..
أبي السماوي..
إنني أطلب باسم ابنك يسوع..
أن ترافقني بروحك قراءة هذا الفصل، لتُعلمني كلماتك (أم1: 23)..
أشكرك لأنني أعرف من كلمتك إن "المعلنات لنا" (تث29: 29)..
أشكرك لأنك ستُعلن لي، ستعطيني فهماً ولن تدعني أخدع..
الآلام
من الآيات التي تساعدنا في مواجهة الضيق، هذه الآية الذهبية التي دونها لنا الرسول بطرس في رسالته الأولي:
"فإذاً الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1بط4: 19)
لننظر أولاً كلمة "فليستودعوا" “paratheso” ما المقصود بها؟.. في زمن كتابة الرسالة لم يكن نظام البنوك قد عُرف بعد، فعندما كان الشخص ينوي أن يسافر في رحلة طويلة، كان يُودع أمواله لدى صديق أمين، قادر على حفظها.. إن فعل "يستودع" هو الذي كان يُستخدم في هذه الحالة(43)..
هل تتألم بحسب مشيئة الله؟ الرسول بطرس يدعوك أن تودع نفسك بالكامل (جسدك، عواطفك، أفكارك، أسرتك، عملك...الخ) وديعة “deposit” لدى إلهك.. هللويا، لن يقدر إبليس أن يستغل الألم ليسرق منك شيئاً..
الرب أكثر أمانة من أي شخص آخر، بإمكانك أن تثق فيه.. هو سيحفظك من الشرير "أمين هو الرب الذي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير" (2تس3: 3)..
ولنتأمل أيضاً تعبير الرسول بطرس "كما لخالق أمين في عمل الخير"، فالرسول يدعوك أن تودع نفسك لدى إلهك باعتباره الخالق الأمين.. لماذا اختار الرسول هذا اللقب "الخالق" على وجه التحديد؟..
وعندما طلب حزقيا الإنقاذ وهو في وسط الخطر، طلب أيضاً من إلهه باعتباره الخالق "أنت صنعت السماء والأرض. أمل يا رب أذنك واسمع" (2مل19: 15، 16).. وكذلك الكنيسة الأولى في ساعة الاضطهاد فعلت نفس الشئ، اجتمعت للصلاة ورفعت بنفس واحدة صوتاً إلى الله باعتباره الخالق "أيها السيد أنت هو الإله الصانع السماء والأرض وكل ما فيها.. والآن يارب انظر إلى تهديداتهم " (أع4: 24، 29)..
تُرى لماذا صلوا في وقت الضيق إلى الله باعتباره الخالق؟ ولماذا عند مجئ الآلام أستودع نفسي لله لأنه خالق؟
لأنه كخالق أعد كل شئ لنا..
فهو لم يخلقنا في اليوم الأول، بل في اليوم السادس.. أي بعد أن أعد كل شئ لأجلنا.. ألا نُحزن قلبه حينما ننسى هذه الحقيقة؟.. لنثق أنه لن يسمح للضيقات أن تأتي إلينا إلا بعد أن يكون قد أعد كل ما نحتاجه لمواجهتها..
ولأنه كخالق مسئول عن تسديد كل احتياجاتنا بلا استثناء..
لنتأمل خليقته، إنها تشهد باهتمامه بأصغر كائناتها، أفلا يهتم الرب بنا نحن شعبه وغنم مرعاه (مز100: 3)؟!.. لنقرأ كلمات الموعظة على الجبل، فكم تبني إيماننا: "لا تهتموا [لا تقلقوا] لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون.. انظروا إلى طيور السماء. إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن. وأبوكم السماوي [الخالق] يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها..
ولماذا تهتمون بالباس. تأملوا زنابق الحقل [زهور السوسن] كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحده منها.
فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويُطرح غداً في التنور [الفرن] يُلبسه الله [الخالق] هكذا أفليس بالحري جداً يُلبسكم أنتم..
فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس.. اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم" (مت6: 25-33)
هذه الآيات من كلمة الله الحية الفعالة، بها نقدر أن نطرد أفكار القلق متى هاجمتنا في وقت الآلام..
إنها تؤكد أنه خالق أمين يهتم بكل منا، قد أعد كل شئ لنا.. لنقل لأنفسنا نحن أفضل من الطيور.. نحن أفضل من الزنابق.. الخالق الأمين الذي يهتم بنا، هو يهتم بي.. بروحي، بجسدي، بصحتي، بطعامي، بشرابي، بملبسي، بأسرتي..
ولأنه كخالق يقدر أن يعمل ما يريده..
يترنم له المزمور باعتباره الخالق فيقول: "يارب إله الجنود من مثلك قوي.. أنت متسلط على كبرياء البحر.. لك السموات. لك أيضاً الأرض. المسكونة وملؤها أنت أسستهما.. لك ذراع القدرة. قوية يدك. مرتفعة يمينك.. طوبي للشعب العارفين الهتاف.. باسمك يبتهجون اليوم كله.. لأنك أنت فخر قوتهم" (مز89: 8-18)..
أياً كانت الضيقات والحروب التي تهاجمنا فلنهتف للرب المتحكم في كل الأحداث، فنحن شعبه.. لنهتف له بقوة تسبيح مملوء بإيمان يعلن أمانته معنا، وقوته التي لنا.. لنتعلم أن نُردد كلمات كهذا المزمور في صلواتنا..
لنثق أن "رب السوات والأرض" (مت11: 25)هو معنا.. وان "صانع الأرض بقوته ومؤسس المسكونة بحكمته" (إر10: 12) هو يهتم بنا.. والذي "قال فكان.. هو أمر فصار" (مز33: 9) والذي "يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض ولا يوجد من يمنع يده" (دا4: 35) هو يأمر ويشاء، لا ليؤذينا.. بل كما يقول الرسول بطرس: "كما لخالق أمين في فعل الخير" (1بط4: 19)..
لا.. لن يأتي أبداً بالشرور إليك بل بالخيرات، إنه يُحرك الكون بكامله لأجلك!!..
هللويا، سأستودع نفسي بجملتها لديه.. وسأثق أنه بيده القوية ويمينه المرتفعة سيحفظني آمناً (تث33: 12).. سيسير معي، لن يهملني ولن يتركني (عب13: 5)..
أيها الحبيب، إن جاء عليك ضيق، كن مطمئناً.. تعال إلى الخالق القدير، أبيك الذي يحبك.. استودع نفسك وكل ما لك بين يديه.. ثق أنه معك، يقودك، يرفعك ويحملك طول الأيام (إش46: 4) ومن مجد إلى مجد (2كو3: 18)..
ثق أنك بجملتك وديعة “deposit” لديه..
آلام لا يريدها لنا الرب
لنقرأ مرة أخرى كلمات الرسول بطرس:
"الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1بط4: 19)
يحدثنا الرسول بطرس في هذه الآية عن الذين يتألمون بحسب مشيئة الله، هذا يعني أن هناك آلاماً أخرى ليست بحسب مشيئته، هذه يجب أن نتجنبها بكل أستطاعتنا.. يقول الرسول أيضاً:
"فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو متداخل في أمور غيره" (1بط4: 15)
الرب لا يريدك أن تسرق فتدخل السجن لتُقاسي، ولا أن تُقحم نفسك في مشاكل الآخرين فيُضايقونك.. ليس في هذه الآلام أي مجد "لأنه أي مجد هو أن كنتم تُلطمون مُخطئين فتصبرون" (1بط2: 20)..
وفي ضوء كلمة الله نستطيع أن نحدد نوعين من هذه الآلام التي لا يُريدها لنا الرب..
أولاً: آلام بسبب الاستهتار بالقوانين
إنه مبدأ كتابي أن "الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد" (غلا6: 7).. كم من آلام يحصدها الناس بسبب استهتارهم بالقوانين، سواء كانت القوانين الطبيعية التي تحكم الكون والخليقة، أو القوانين الوضعية التي سنتها الدول لشعوبها، أو تلك الكتابية التي تتعلق بحياتنا الروحية وسجلتها لنا كلمة الله..
فالذي يُهمل الاعتناء بصحته مستهتراً بقوانين سلامة البدن، لن ينجو من الآلام.. فكثيرون يعانون بسبب الإفراط في الطعام، وآخرون من سوء التغذية.. أما اللذين يقاسون بسبب شرب الخمر والتدخين فلا حصر لهم.. وتوجد في الكلمة تحذيرات عديدة من أجل صحة الجسد (أم23: 12، 25: 16، لو21: 34، 1صم14: 30، أم23: 20)..
والذي يستسلم للكسل في دراسته أو عمله يُعرض نفسه لضيقات هو المسئول عنها.. يقول سفر الأمثال مُحذراً: "قليل نوم بعد قليل نعاس وطئ اليدين قليلاً للرقود [أي أنه من كسله يعود إلى النوم مرة أخرى بعد استيقاظه] فيأتي فقرك كساعٍ [بسرعة] وعوزك كغازٍ [أي فجأة]" (أم6: 10، 11)..
والآب الذي يُهمل في تأديب ابنه وهو بعد صغير يزخر لنفسه أتعاباً تستمر طول الحياة، فكلمة الله تقول بوضوح: "أدب ابنك فيُريحك ويُعطي نفسك لذات" (أم29: 17)
هذه الألام ومثيلاتها، كما قال عنها الكتاب "بلا سبب لا تأتي" (أم26: 2).. إنها حصاد ما يزرعه الإنسان من أخطاء.. لكن شكراً لإله كل نعمة (1بط5: 10) الذي أعد منفذاً للذين يجنون ثمار أخطاء الماضي..
نعم، إله كل نعمة في انتظارهم لكي يأتوا إليه نادمين ومعترفين بما زرعوه من أشواك، ومُعلنين ثقتهم في أنه "يعفو فينجي" (إش31: 5).. سيطهرهم بالدم الثمين من كل أثر للخطية.. سيعالج الأمور بنعمته الغنية، وسيتدخل بتعويضات توازن أضرار أخطاء الماضي..
أيها الحبيب، لا تسمح للماضي أن يُعطل سعادتك ونجاحك.. اعترف للرب بكل شئ، وهو أمين سيعالج كل أخطائك، و"سيعوضك عن السنين التي أكلها الجراد" (يؤ2: 25)..
ثانياً: آلام بسبب الاستسلام
هذا نوع ثان من الآلام لا يريدك الرب أن تعاني منها.. إن سببه عدم التميز.. يهجم عليك العدو بضيقات، فلا تُمَيز حسناً.. تعتقد أنها ضيقات في مشيئة الله أن تستمر، بينما هي ليست كذلك، فتستسلم لها بدلاً من أن تقاومها متمسكاً بالإيمان بالحماية والإنقاذ..
بادئ ذي بدء نقول إن الضيقات لابد وأن تأتي على المؤمنين.. كتب الرسول بولس يقول:
"جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون" (2تي3: 12)
الضيقات لابد أن تأتي لكن يجب أن نميز بين نوعين:
ضيقات يشاء الله استمرارها لوقت معين..
وضيقات أخرى استمرارها ليس بحسب مشيئة، ولذا يجب مقاومتها حتى تتخلص منها بسرعة..
النوع الأول يحتاج إلى إيمان بالقدرة على الثبات في الضيق والارتفاع فوقة.. هذا إيمان يزيل من الألم مرارته ويجعله طريقاً للمجد ولامتداد ملكوت الله، وهو حديث الفصل الثاني..
أما النوع الثاني فيحتاج إلى إيمان بأن الرب يُخلِص من الضيق، وهو إيمان يقف أمام إبليس ويظل يقاومه إلى أن يهرب (يع4: 7) وتنحسر الضيقة، وهو حديث الجزء الباقي من هذا الفصل..
لقد قدمت كلمة الله أمثلة عديدة عن النوع الثاني، لتخلق فينا اتجاه المقاومة وعدم الاستسلام لكل ضيقة ليس استمرارها بحسب مشيئة الرب..
أمثلة
الصليب لقد استسلم الرب يسوع لآلام وموت الصليب، لأن الصليب كان مشيئة الآب، لكن لا ننسى أنه قاوم محاولات سابقة أراد أن يقتله بها العدو قبل الوقت..
ذات مرة حملته السفينة هو وتلاميذه لتتجه بهم إلى حيث كان يقطن مجنون كورة الجدريين المسكون بلجئون من الشياطين، وهاجت مملكة الظلمة محاولة أن تعوق مجئ الرب.. "حدث نوء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب إلى السفينة حتى صارت تمتلئ.. فقام [الرب] وانتهر الريح وقال للبحر اسكت. ابكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم" (مر4: 37-39)..
انتهار الرب للريح يقطع بأن الريح لم تكن تتحرك بحسب مشيئة الله بل بفعل الشيطان "رئيس سلطان الهواء" (أف2:2).. لهذا لم يترك الرب الخطر يزداد، بل تدخل وانتهر الريح..
هناك أخطار يهاجمنا بها إبليس، وليس في مشيئة الرب أن تستمر.. هذه لابد أن نقاومها وننتهرها باسم الرب يسوع حتى تزول..
لاتقف مستسلماً أمام هذه الأخطار.. استخدم اسم يسوع العظيم، انتهر به قوى الظلمة لتهرب من أمامك..
مرة أخرى حاول إبليس أن يقتل الرب قبل الوقت.. يسجل لنا إنجيل يوحنا هذه الحادثة فيقول: "فرفعوا حجارة ليرجموه. أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مُجتازاً في وسطهم ومضى هكذا" (يو8: 59).. فهل استسلم الرب لهذه الضيقة؟.. كلا، بل تخلص منها..
أيها الحبيب، قد يحدث نفس الأمر معك، يأتي إبليس ليؤذيك وليُضايقك مضايقة ليس من الرب استمرارها أو لينهي حياتك على الأرض قبل الوقت.. تسلح بالإيمان بالخلاص من الضيق.. ستتمتع بالحماية، وسيحفظك الرب..
وضع هيرودس الملك بطرس في السجن بنية أن يقتله، فهل استسلمت الكنيسة لهذا المخطط الشيطاني؟.. كلا، كانت تعرف من كلمات الرب الأخيرة إنه ليس في مشيئته أن يموت بطرس قبل أن يصير شيخاً (يو21: 18، 19).. لهذا صلت بإيمان وبحرارة لمقاومة عمل الشيطان، فتدخل الرب وأخرجه من السجن ليكمل خدمته..
تمسك بوعد الرب إنه سيُكمل عدد أيامك (خر23: 26)، واعلن إيمانك بأنه يفدي من الحفرة حياتك (مز103: 4) وأنك لن تموت قبل أن يَكمل وقتك (7: 8)، وتُكمل السعي وتُنهي السباق (2تي4: 7)..
وفي فيلبي دخل الرسول بولس ومعه سيلا إلى السجن، فهل كان بقاؤهما مقيدين ومتألمين في السجن بحسب مشيئة الله؟.. كلا، لذا عندما صليا وسبحا الله انفتحت أمامهما أبواب السجن..
لا يجب أن نستسلم إلى ضيقات في قصد الرب أن نقاومها.. لنصل ونسبح معلنين في تسبيحنا ثقتنا في تدخل الرب لإنقاذنا، وأنه بمعجزات يفتح الأبواب التي يوصدها العدو..
وحينما قاوم عليم الساحر بولس وبرنابا، هل اختار الرسولان أن يحتملا مقاومته لفائدتهما الروحية أو لتمجيد الله؟
كلا، لقد فهمنا أنه ليس في مشيئة الله أن يعانيا منه، لذا يقول الكتاب: "فامتلأ [بولس] من الروح القدس وشَخَصَ إليه وقال أيها الممتلئ كل غش وكل خبث يا ابن إبليس يا عدو كل بر ألا تزال تُفسد سبل الله المستقيمة. فالآن يد الرب عليك فتكون أعمى لا تبصر الشمس إلى حين. ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمساً من يقوده بيده" (أع13: 9-11)..
أيها الحبيب، استخدم الإيمان في إيقاف مقاومة مملكة الظلمة لخدمتك.. تذكر أن قصد الرب أن تشهد له وبقوة (أع1: 8)، وان تأتي بثمر كثير (يو15: 2)..
وصف الرب إبليس بأنه قتال "ذاك كان قتالاً للناس من البدء" (يو8: 44).. فكم من مرة أراد إبليس أن يقتل الرسول بولس، لكن الرسول لم يستسلم لقصد العدو.. فمع أنه كان مُقتنعاً أن الموت ربح له، وبالرغم من أنه كان يشتهي أن ينطلق ويكون مع المسيح (في1: 21، 23).. لكنه رفض أن يموت قبل أن يُكمل تحقيق قصد الله من حياته على الأرض.. تأمل معي كلماته التي عبر بها عن إيمانه بأن العدو لن يقدر على قتله قبل أن يتمم خدمته: "أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم [أي من أجل الخدمة]. فإذ أنا واثق بهذا أعلم أني أمكث وأبقى مع جميعكم" (في1: 24، 25)..
"الرب وقف معي وقواني لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم فأُنقذت من فم الأسد. وسينقذني الرب من كل عمل ردئ [أي لن أموت قبل الوقت]" (2تي4: 17، 18)
يالقوة كلمات الإيمان.. "أنا واثق"، "أعلم"، "سينقذني".. لا مكان للشك، يثق أن الرب سيحفظه إلى النهاية.. يا خادم الرب، تعلم ان تنطق أنت أيضاً بكلمات مثل هذه تُعلن بها إيمانك بحماية الرب لك من مخططات إبليس التي تهدف إلى إيذائك للقضاء على خدمتك أو للحد من تأثيرها..
كما لا تقرأ أيضاً أن الرسول بولس أسرع إلى ساحة الإستشهاد، فقد كان يعلم أنه بهذا يحقق هدف إبليس.. بل على العكس نراه يستخدم كل ما أُتيح له من وسائل ليتجنب الجلد (أع22: 25-29)، وليُنقذ نفسه من الموت (أع23: 16-25).. كان يرفض الموت الذي ليس في مشيئة الله، كان يؤمن بالحماية.. تمسك بالوعد الذي سمعه من الرب في بداية علاقته به "ظهرت لك لأنتخبك خادماً وشاهداً.. منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أُرسلك إليهم" (أع26: 16، 17).. آمن بولس بإنقاذ الرب ولم يكن سلبياً في إيمانه، وتحرك في هذا الاتجاه..
لهذا نجده في أكثر من مناسبة يطلب من المؤمنين أن يصلوا من أجله كي يحفظه الرب سالماً من الإيذاء..
"فأطلب إليكم أيها الأخوه بربنا يسوع المسيح وبمحبة الروح أن تُجاهدوا معي في الصلوات من أجلي إلى الله لكي أُنقذ من الذين هم من غير المؤمنين" (رو15: 30، 31)
"أيها الإخوة صلوا لأجلنا لكي تجري كلمة الرب.. ولكي نُنقذ من الناس الأردياء الأشرار" (2تس3: 1، 2)
ارفض أنت أيضاً أن تكون سلبياً.. هناك آلام وضيقات لا يريدك الرب أن تحتملها بل أن تتخلص منها بالإيمان..
والآن إقرأ معي هذا المثال الأخير من رسالة يعقوب:
أمريض أحد بينكم فليدعُ شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه.. صلوا بعضكم لأجل بعض كي تشفوا" (يع5: 14- 16)
يعقوب يتحدث عن مرض استمراره ليس في مشيئة الله، لهذا يطلب الصلاة بإيمان لأجل الشفاء.. ولو لم يكن الشفاء هنا هو مشيئة الله، لما طلب يعقوب الصلاة، ولما وعد بالشفاء قائلاً: "والرب يقيمه"..
بكل تأكيد الرب لا يريدنا أن نقبل جميع الآلام والضيقات والميتات، بل أن نقاوم تلك التي نتأكد أنها ليست في مشيئته..
أيها الحبيب، دعني أحذرك، فإبليس عدوك ماكر جداً، ويريد أن يضللك لتستسلم للضيقات التي ليست في إرادة الرب..
ليكن اتجاه قلبك العام أن تقاوم الشدائد وأن تحارب الضيقات ولا تستسلم لها حتى تزول.. افعل ذلك، مادام لا يوجد إعلان واضح من الرب أن الأمر بحسب مشيئته..
وكيف تقاوم وتحارب ولا تستسلم؟.. ليس بشئ آخر سوى الإيمان الحقيقي.. الإيمان الذي لا يقبل أي احتمال آخر غير الحماية والإنقاذ.. فالإيمان يعني الثقة والإيقان (عب11: 1)، أن تصدق "غير مرتاب البته" (يع1: 6)
تذكر أن الرب يسوع دائماً منتصر، وهو يريد أن ينتصر فيك وبك.. ثِق في محبته العجيبة ، إنه "رئيس الإيمان ومكملة" (عب12: 2).. تمسك به ولن تخزى..
آمن بالخلاص من الضيق
تتحدث رسالة العبرانيين عن رجال كداود وشمشون ودانيال الذين "بالإيمان.. سدوا أفواه أسود".. لم يكن افتراس الأسود لهم بحسب مشيئة الله.. لذلك تسلحوا بالحماية والخلاص من الضيق..
لنأخذ دانيال مثالاً، فقد هاجمته مجموعة من الأسود الجائعة، لكنها عجزت عن افتراسه!! لماذا؟
تقول كلمة الله:
"أُصعد دانيال من الجب [جب الأسود] ولم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه" (دا6: 23)
لأنه آمن بإلهه.. آمن بكلمات إلهه عن الحماية، لهذا تمتع بها ولم تقدر الأسود أن تفترسه..
لقد كان دانيال محباً للكلمة يقضي وقتاً كافياً معها.. ذات مرة قال: "فهمت من الكتب [أسفار الكتاب]" (دا9: 2).. هذه إشارة إلى أن قراءته للكلمة لم تكن قراءة سطحية بل أنه كان يتأمل ويقارن الآية بالآية..
لا شك أنه كان يعلم جيداً الآيات التي تؤكد أن للمؤمنين حماية وخلاصاً من الخطر، ولاشك أنه كان يلهج بها دائماً..
آيات الكلمة مقتدرة جداً، إن سمعتها بإخلاص وانشغلت بها أنشأت في قلبك إيماناً بها.. استمع معي إلى هذه الآيات الرائعة عن الحماية من سفر المزامير:
"الله لنا ملجأ وقوة عوناً في الضيقات وُجدَ شديداً. لذلك لا نخشى ولوتزحزت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار" (مز46: 1،2)
"لأنه يُنجيك من فخ الصياد ومن الوبأ الخطر. بخوافيه يظللك وحت أجنحته تحتمي.. لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك.. على الأسد والصل تطأ الشبل والثعبان تدوس.. لأنه تعلق بي أُنجيه.. معه أنا في الضيق. أنقذه وأمجده. من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي" (مز91: 3،4، 10، 13-16)
"لا يدع رجلك تزل لا ينعس حافظك.. الرب يحفظك من كل شر يحفظ نفسك. الرب يحفظ خروجك ودخولك من الآن وإلى الدهر" (مز121: 3، 7، 8)
"المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون الذي لا يتزعزع بل يسكن إلى الدهر.. لأنه لا تستقر عصا الأشرار على نصيب الصديقين" (مز125: 1، 3)
ردد هذه الآيات وما يشابهها من كلمة الله.. رددها بفمك، ودع قلبك ينصت إليها..
رددها متأملاً في عمق كلماتها..
عُد إليها بين الحين والآخر..
كان دانيال يلهج في الكلمة، فخلقت في داخله إيماناً بحماية الله وإنقاذه..
وأتت لحظة المواجهة.. دانيال والأسود المفترسة الهائجة وجهاً لوجه..
وجاءت الأرواح الشريرة لتصوب سهامها الملتهبة إلى ذهن دانيال محاولة أن تصيبه بالخوف والارتعاب.. لكن فاتها أن نبعاً من الإيمان بالحماية قد تفجر بالفعل داخل قلب دانيال بسبب لهجه في الكلمة.. وقد حان الوقت لينتفع دانيال من مياهه..
ولك أن تتخيل الأمر، نهر من مياه الإيمان يتدفق من قلب دانيال إلى ذهنه.. نهر من آيات الحماية والخلاص من الخطر يملأ ذهنه ويطرد منه كل أفكار الخوف والشك.. فماذا حدث؟..
انتصر الإيمان..
ولم تؤذ الأسود دانيال..
وتمتع بخلاص عجيب من الخطر..
إيمان يُنجي
بذات الإيمان استطاع آخرون من رجال الله أن يطفئوا النار التي اشتعلت لإحراقهم (عب11: 34)..
وبذات الإيمان نجا مؤمنون من حد السيف.. وبذات الإيمان يمكنك أنت أيضاً أن تخلص من الخطر أياً كان مصدره، طالما لم يعلن الرب شيئاً آخراً..
لكن انتبه، ليس في هذا الكلام أي تشجيع على أن تُجرب الرب بأن تفعل تصرفات طائشة تعرضك للخطر بلا مبرر..
اجتهد دائماً أن تكون في مشيئة أبيك السماوي الذي تحبه، وآنذاك يمكنك أن ترتكن عليه من أجل حمايتك وخلاصك من الضيق..
وهذه بعض الآيات من مزمور34، وهو من المزامير الرائعة المفرحة جداً والمشجعة للغاية، والتي تتحدث عن الخلاص من الضيقة..
"طلبت إلى الرب فاستجاب لي ومن كل مخاوفي أنقذني.. هذا المسكين صرخ والرب استمعه ومن كل ضيقاته خلصه..
اتقوا الرب يا قديسية لأنه ليس عوز لمتقيه.. الأشبال احتاجت وجاعت وأما طالبوا الرب فلا يعوزهم شئ من الخير.. أولئك [الذين يخافون الرب] صرخوا والرب سمع ومن كل شدائدهم أنقذهم.. كثيرة هي بلايا الصديق [الحروب الموجهة ضد البار (NIV)] ومن جميعها ينجيه الرب.. الرب فادي نفوس عبيده وكل من اتكل عليه لا يُعاقب" (مز34: 4، 6، 9، 17، 19، 22) هذه الآيات تؤكد لنا أن إنقاذ الرب هو من كل المخاوف ومن كل الشدائد.. وأن خلاصه هو من كل الضيقات ومن كل الهجمات.. وإن فداء الرب لنا يرفع عنا كل عقاب وعطاءه لا يتركنا نحتاج شيئاً من الخير..
في الأصل العبري صيغت فقرات هذا المزمور الشيقة بطريقة فريدة ومتميزة.. فقد رُتبت على نسق الأبجدية العبرية، فعدد فقراته كعدد حروف الأبجدية.. وتبدأ الكلمة الأولى من فقرته الأولى بالحرف الأول، والفقرة الثانية تبدأ بالحرف الثاني من الأبجدية، والثالثة بالثالث وهكذا..
الوحي يريد أن يقول لنا شيئاً هاماً لهذه الصياغة.. بالنسبة لي فهي صياغة تؤكد أن الإيمان بحماية الرب وإنقاذه هو ألف باء نمو علاقتي مع الله واستخدامه لي..
إذا أردت أن تتعلم لغة ما، عليك أولاً أن تلم جيداً بأبجدية حروفها.. هكذا إن أردنا أن يستخدمنا الرب، وإن تطلعنا إلى التمتع ببركات أكثر وقوة أعظم في عشرتنا معه، فلنحفظ هذه الأبجدية جيداً.. إنه هو المسئول عن حمايتنا وإنقاذنا..
ولنتحدث على نحو عملي، لا تنتظر حتى يأتي وقت الخطر واليوم الشرير لكي تبحث عن الوعود لتعلن إيمانك بها..
ابدأ من الآن.. تعلم هذه الأبجدية..
في خلوتك اليومية مع الكتاب المقدس، ضع في ذهنك أن تبرز الآيات التي تخبرك بهذه الوعود.. سجلها في ذاكرتك، وانشغل بها بعض الوقت.. اشكر الرب من أجلها، ولتصبح جزءاً من صلاتك اليومية..
سيُقوي إيمانك، أن تشكره يومياً من أجل حمايته وإنقاذه مردداً وعوده في محضره..
سيُقوي إيمانك بحماية الرب، أن تشكره كل يوم معلناً أنه سور نار من حولك (زك2: 5)، وأنك محمي بدمه كما حمت دماء الخراف شعب الله في القديم ليلة خروجهم من مصر.. وأن ملائكة مرسلة لحفظك (عب1: 14)..
أيها الحبيب، الحماية هي مشيئة الرب سواء كان قصد الرب أن ينزع الضيقة بسرعة أو أن يجعلك تجوز فيها، ففي الحالة الثانية سيحمي سلامك الداخلي وسيحفظ استخدامه لك..
لكن الحماية لا تتوفر بالإيمان فقط.. هناك شرطان هامان نلاحظهما بكل وضوح إذا ما قرأنا آيات هذا المزمور بعناية..
أولاً: أن تكون باراً وقديساً
يقول المزمور:
"كثيرة هي بلايا الصديق [البار] ومن جميعها يُنجيه الرب.. اتقوا الرب يا قديسيه لأنه ليس عوز لمتقيه" (مز34: 19، 9)
ربما يشعر أحد المؤمنين بالإحباط، وربما يقول: إن كان الأمر كذلك فلن أقدر أن أؤمن بحماية الرب لي، فمتى أكون باراً وقديساً؟!.. إنني لازلت أرتكب أخطاء!!
أيها الحبيب، هذه الآيات كُتبت من أجلك، وليس لتعجيزك.. الإله الذي أحبك وأسلم نفسه لأجلك لا يمكن أن يكون إلهاً للتعجيز..
إنني أريدك أن تفكر في هذه الآيات في ضوء العهد الجديد..
أريدك أن ترى نفسك على النحو الذي تريد كلمة الله لكل مؤمن حقيقي أن يرى نفسه بها.. أن ترى نفسك "في المسيح".. وأنك تُحسب باراً وقديساً لأنك دائماً في المسيح..
الله يراك باراً وقديساً لأنه يراك في المسيح..
هل لاتزال تشك في هذه الحقيقة؟.. أتريد أن تستريح تماماً من جهة هذا الأمر؟.. افتح كتابك المقدس على خاتمة رسالة الرسول بولس إلى أهل فيلبي، وتأمل ملياً هاتين الآيتين: "سلموا على كل قديس في المسيح.. يُسلم عليكم جميع القديسين" (في4: 21، 22)
يا للنعمة!! إن أصغر مؤمن في العهد الجديد هو قديس لأنه في المسيح..
هل فتحت قلبك للرب؟ هل وثقت أنه مات بديلاً عنك؟ هل تؤمن بأنه غفر خطاياك وأنه قام من الأموات؟.. إن كان الأمر كذلك، فأنت قديس لنفس السبب الذي من أجله يُدعى الرسل كبولس وبطرس ويوحنا قديسون.. فقد اغتسلت بنفس الدم الثمين الذي اغتسلوا به..
ثانياً: أن تخاف الرب
المزمور يؤكد أن الخلاص من الضيق هو لمن يخافون الرب، ويدعونا: "هلم أيها البنون.. فأعلمكم مخافة الرب" (مز34: 11)..
ما معنى أن نخاف الرب؟
قطعاً ليس المقصود خوف العبيد من عقاب سادتهم، فالمزمور يتحدث إلى البنين..
إنه خوف الابن من أن يجرح بعدم طاعته مشاعر أبيه..
إنه خوف الابن من أن يحيد عن طريق أبيه فيتعرض لخطر الأعداء..
إنه خوف الابن من أن تتعطل شركته مع أبيه بسبب الاستسلام لأي خطية..
إنه ليس خوفاً من عقاب السيد للعبد بل خوف الابن المحبوب من أن يُحزن قلب أبيه الذي يحبه، لذا فهو خوف لا يصاحبه قلق أو حزن بل سلام وتعزية..
"وأما الكنائس.. فكان لها سلام وكانت تُبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع9: 31)
حينما نستسلم لخطية ما ولا نقاومها بل ونرحب بها، سنفقد حتما شجاعتنا في مواجهة المواقف، ولن نقدر أن نصمد أمام العدو وسنخشى النتائج.. يقول الرب لنا: "إن لم تسمعوا لي.. تهربون وليس من يطردكم" (لا26: 14، 17)
"ولا تتمكن للثبوت أمام أعدائك حتى تنزعوا الحرام من وسطكم" (يش7: 13)
لكن عندما نصر على مقاومة الخطية، ونرفض البقاء ساقطين فيها فور هزيمتنا، فستمتلئ قلوبنا بالشجاعة وستتحرر من أي خوف ردئ من إبليس أو من الأشرار.. وها هي كلمات الرب لنا من سفر الأمثال: "أما المستمع لي [الذي يخافني] فيسكن آمناً ويستريح من خوف الشر" (أم1: 33)
"في مخافة الرب ثقة شديدة" (أم14: 26)
خاف الرب الخوف الممتزج بالحب ولن يعد هناك شئ أو شخص تخاف منه.. ستستريح من الخوف من الشر..
إشعياء النبي يؤكد أن طريق التحرير من المخاوف التي يحاول العدو أن يضعها فينا يبدأ بمخافة الرب: "لا تخافوا خوفه [أي تخويفه لكم] ولا ترهبوا.. قدسوا رب الجنود فهو خوفكم" (إش8: 12، 13)
ردد في داخلك: الرب هو خوفي الوحيد.. وهو خوف جميل، فيه الحب، فيه الغفران، وفيه النعمة.. سأخاف الرب ولن أخاف شراً..
تذكر كلمات الوحي: "مخافة الرب ينبوع حياة" (أم14: 27)
اقتن مخافة الرب
ودعني أُنبهك لئلا يخدعك العدو مستغلاً حداثتك.. ليس السقوط عن ضعف هو الذي يعني غياب مخافة الرب بل الترحيب بالخطية والاستلام لها بسهولة..
هل تُرحب بخطية معينة؟ هل تدبر لتنفيذها؟ هل تصر عليها ولا تصلي لكي تتحرر منها؟.. إن كان الأمر كذلك، فأنت تفتقر إلى مخافة الرب.. لذا لا تتوقع الحماية ولا تنتظر الخلاص من الخطر..
أيها القارئ، مرة أخرى أؤكد لك إنه ليس الضعف أمام الخطية ولكن الترحيب بها هو الذي يعني غياب مخافة الرب، الشرط الهام للخلاص من الخطر..
كيف تقتني المخافة؟
هل بمجرد اتخاذ قرار؟.. كلا، فالواقع العملي يشهد أن كثيرين من الذين اتخذوا قراراً بأن يقاوموا الخطية التي تحاربهم، سريعاً ما ضَعُفَ حماسهم، فاستسلموا للإثم وصاروا يشربونه كالماء..
ليس باتخاذ قرار ستمتلك اتجاه مقاومة الخطية التي ترى نفسك ضعيفاً أمامها.. أنت في احتياج إلى قوة ليست منك.. قوة أكبر من إرادتك.. أنت تحتاج قوة الروح القدس..
تقول كلمة الله في سفر إشعياء الأصحاح الحادي عشر عن الروح القدس إنه روح "مخافة الرب" (إش11: 2).. الروح القدس هو الذي يعطي المخافة..
لا تعتمد على قوة إرادتك، فكم هي عاجزة.. اعتمد على عمل الروح..
اطلب من الآب أن يملأك بالروح.. سيساعدك جداً في أن تقوم سريعاً من الخطية، متى سقطت فيها.. سيدفعك للاعتراف بها، وسيشجعك جداً على مقاومتها.. كما سيحميك من اليأس وفقدان الرجاء عندما يتكرر ضعفك أمامها..
هكذا تحيا في مخافة الرب.. وهكذا تتمتع بحماية الرب وخلاصة من الضيق..
أيها القارئ..
هل أنت في ضيقة الآن، أم تلمح في الأفق خطراً قادماً عليك؟
اختلِ مع الرب.. اسأله سؤالاً محدداً، هل قصده أن يستمر الضيق؟ هل قصده أن تجوز في الخطر أم لا؟!
ثق أن الرب سيحمي ذهنك من التشويش، وسيسمعك صوته بوضوح.. إنه يريدك أن تفهم، فهذا هو وعده: "أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها.. لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم" (مز32: 8، 9)
إبليس هو الذي يريدك بلا فهم كالفرس والبغل لكي تخسر مجهودك في صلوات ومعارك ليست بحسب مشيئة الله، أما الرب فيريد أن يحافظ علي طاقتك لتستخدمها في صلوات ومعارك في مشيئته، تأتي بنتائج هائله لمجده..
أيها الحبيب، انفرد بالرب وفي قلبك هذه الثقة أنه سيُفهمك هل هي ضيقة لتقاومها بالإيمان بالتخلص منها أم أنها ضيقة ستستمر.. وربما تنفرد بالرب أكثر من مرة، هكذا فعل بولس وعرف بعد المرة الثالثة أن مشيئة الرب أن تستمر الضيقة (2كو12: 8-10)..
ولخطورة الأمر قد تشغر بالاحتياج إلى مشاركة إخوتك المؤمنين ولا سيما المتقدمين عنك روحياً والمشهود له بالتعقل والاتزان.. وانتبه، إن لم يؤكد الرب بوضوح أن مشيئته هي استمرار الضيقة، فليكن إيمانك الراسخ هو بالخلاص من الضيقة..
أولاً تخلص من القلق والهم..
ضع أمامك هذه الكلمات الذهبية:
"مُلقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم" (1بط5: 7)..
القلق.. الهم.. هما أكبر عدوين للإيمان.. إنهما يشلان التفكير ويحدان من النشاط، ويأتيان بالأمراض..
ادخل إلى عرش النعمة.. سلم كل همومك للرب.. "صالح هو الرب حصن في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه" (نا1: 7).. قُل له أنت أبي.. أنت الذي تعتني بي.. أنت تحمي جسدي، عائلتي، عملي، أموالي.. إنني ألقي كل همي عليك..
الهج بآيات الحماية والإنقاذ.. ابحث في الكلمة عن الآيات المناسبة لضيقتك.. انشغل بها.. تأملها.. اقرأ ما كتبه الآخرون عنها.. الانشغال بالوعود يبني الإيمان بها..
صل.. ذَكِر الرب بوعوده.. هذا لا يعني أنه قد نساها، بل هو يريد أن يرى إيماننا واضحاً في الكلمات التي نصلي بها.. هكذا صلى يعقوب فأنقذ من الخطر المحقق:
"نجني من يد اخي من يد عيسو وأنت قد قلت إني أحسن إليك" (32: 11، 12)
وفي وقت المحنة صلى نحميا قائلاً:
"اذكر الكلام الذي أمرت به موسى عبدك.. يا سيد لتكن أذنك مصغية إلى صلاة عبدك.. واعط النجاح اليوم لعبدك" (نح1: 8، 11)
ولا يوجد خطأ في أن تصلي مستخدماً هذه الصلوات وغيرها من صلوات رجال الإيمان المسجلة في الكلمة، ما دمت تصلي بها من القلب وليس مجرد ترديد لها من الشفتين..
واجه الأرواح الشريرة التي تحرك الأحداث والأشخاص لإيذائك.. اعلن لها أنك تحت حماية الدم الثمين.. قاومها.. انتهرها باسم الرب يسوع.. تحدث إليها بكلمات الإيمان التي تعلن النصرة.. قل لها بثقة:
"هيجوا.. وانكسروا.. احتزموا وانكسروا. احتزموا وانكسروا" (إش8: 9)
سبح.. سبح الرب معلناً حبه وقوته وتدخله لإنقاذك من الضيقة.. استمر شاكراً أياه لأجل أمانته في تحقيق وعوده.. "في كل شئ بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلم طلباتكم لدى الله" (في4: 6)..
تحدث إلى الضيقة.. قُل للجبل أن ينتقل باسم الرب يسوع.. لا شئ يقف أمام الإيمان.. الرب يُمجد الإيمان.. الرب يستجيب الإيمان..
تخلص من الهم، صل بالوعود، واجه الأرواح الشريرة وانتهرها، سبح بفرح ثم تحدث بسلطان إلى جبال الضيقات.. افعل كل هذا بإيمان قلبي يستند على إله عظيم، أمين لكلمته.. سترى العجائب، وستتمتع بالإنقاذ..
وستصير مميزاً، مختلفاً عن كثيرين.. فما أبعد الفرق بين من يعسشون بالإيمان، يستندون على إلههم.. يثقون في وعوده، ويأخذون في الاعتبار يقينهم بأن لهم خلاصاً.. وبين من يعتمدون في اتخاذ قراراتهم فقط على ما تقوله الحواس الطبيعية والحسابات المنطقية ولا يفسحون مجالاً للإيمان..
تأمل هؤلاء.. صدقوا عقولهم، اعتمدوا على المنطق والحسابات البشرية وتجاهلوا الصوت.. صوت الرب المحب لهم يحذرهم من السفر في البحر..
وكانت النتيجة قاسية ومرة.. تعذبوا من الخوف، فقد أوشكت السفينة على الغرق..
ولك أن تتأمل المشهد المأساوي..
ريح زوبعية.. نوء عنيف.. ظلمة ممتدة بلا نهاية.. "لم تكن الشمس ولا النجوم تظهر أياماً كثيرة" (أع27: 20).. وأخيراً، انتزع منهم كل رجاء في النجاة..
وماذا عن بولس؟.. كان أيضاً في نفس السفينة، لكنه كان مختلفاً تماماً.. فمع أنه أُجبر على الإبجاز معهم وظل أسيراً تحت حراسة، إلا أنه الوحيد الذي كان يمتلئ بالسلام.. الإيمان جعله ملكاً..
وانتظر بولس حتى أعلنت كل المحاولات البشرية عجزها التام عن الإنقاذ، ثم وقف.. وقف الأسير الملك ليتحدث بسلطان ويُذيع خبر النجاة.. "سُروا أيها الرجال لأني أؤمن بالله أنه يكون هكذا كما قيل لي. ولكن لابد أن نقع على جزيرة" (أع27: 25)
نجا بولس.. ونجا معه كل الذين بالسفينة.. لماذا؟.. لأنه آمن بإلهه، آمن بالكلمة.. بوعد الإنقاذ والخلاص من الضيق..
ما أعظم الإيمان!
وما أعظمه إله، يمجد الإيمان ورجال الإيمان!!
آمن به وبخلاصه، وسيجعلك كبولس ملكاً وسط الخطر.. هادئاً وسط العواصف.. تتحدث بسلطان، وتنطق لكثيرين بكلمات الأمان..
نعم ما أعظمه إله!!.. "يقودك من وجه الضيق إلى رحبٍ لا حصر فيه" (أي36: 16)..
"الرب نوري وخلاصي ممن أخاف الرب حصن حياتي ممن أرتعب. عندما اقترب إلي الأشرار ليأكلوا لحمي مضايقي وأعدائى عثروا وسقطوا. إن نزل علي جيش لا يخاف قلبي. إن قامت علي حرب ففي ذلك أنا مطمئن.. لأنه يخبئني في مظلته في يوم الشر.. لأنه يسترني بستر خيمته على صخرة يرفعني" (مز27: 1-5)
ثق في خلاص الرب لك، ولنهتف مع أحباء داود: "ليتعظم الرب المسرور بسلامة عبده" (مز35: 27)
القس دانيال