لا تطرح ثقتك
6 انتظر ولن تفشل
من التشبيهات البديعة المُعبرة التي استخدمها الكتاب المقدس لوصف الكلمة تشبيهه لها بالبذرة (مر4: 14)..
رسالة يعقوب تقول:
"اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تُخلص نفوسكم" (يع1: 21)
هل أنت في ضيقة؟.. اسمح لروح الله أن يغرس في قلبك وعداً من الكتاب عن الخلاص من الضيقة..
هل أنت مُقيد؟.. اسمح للروح أن يغرس في قلبك وعداً عن الخلاص من العبودية..
هل أنت مريض؟.. اسمح للروح أن يغرس وعداً عن الخلاص من المرض..
الوعد قادر أن يُخلصك..
تدعوك رسالة يعقوب أن تقبل الوعد بوداعة.. لقد أتت كلمة "بوداعة" في الأصل اليوناني قبل كلمة "اقبلوا"(28).. هذا يعني في قواعد اللغة اليونانية أن يعقوب يريد أن يوجه انتباه القارئ إلى كلمة "بوداعة"..
الرب يهمه جداً الطريقة التي تقبل بها الوعد.. لتكن بوداعة .. لتكن باتضاع.. لتكن بخضوع لسلطان الكلمة..
كن وديعاً متضعاً أمام الوعد.. اطرح كبرياء المنطق جانباً، ألق بالحسابات البشرية بعيداً.. ليتصاغر ويتضائل كل شئ بشري وذهني أمام صدق الوعد..
"اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة"..
اقبل بوداعة وباتضاع وعد الكلمة.. اخضع له..
إن كلمة "اقبلوا" تعني في أصلها اليوناني اقبلوا بترحاب وتقدير(29).. وتأتي في زمن aorist imperative الذي يوحي بسرعة التجاوب urgency(30)..
إذا أعطاك الرب وعداً، انتبه إليه جيداً وتجاوب معه قبل أن تشغلك عنه اهتمامات الحياة..
قدر الوعد.. رحب به.. اقبل أن يُغرس في قلبك بلا أدنى تأخير، لا تُضيع الوقت.. لا تُعطِ إبليس فرصة أن يُشتت أفكارك..
رحب بالوعد واعلن تقديرك له.. اعلن خضوعك لما يقوله.. انحن أمام سُلطانه، ولا تسمح للشك أن يتعالى عليه..
من الغرس إلى الثمر
وكما في عالم النبات، يمضي وقت بين غرس البذار وحصاد الثمار.. هكذا الأمر مع بذار الكلمة، يمضي وقت بين قبلوها في الكلمة وبين رؤيتها تتحقق في الواقع الملموس بالحواس..
هذا الوقت هو وقت الإنتظار..
وكما هو الحال أيضاً في عالم النبات، قد يكون هذا الوقت أياماً معدودة وقد يمتد في حالات أُخرى إلى بضعة سنوات.. هكذا الوعود ليست لها أزمنة موحدة لانتظار تحقيقها..
أحياناً يتحقق الوعد في لحظة إيماننا به، كما في حالة شفاء ابن خادم الملك (يو4: 53)..
وأحياناً يتحقق خلال ساعات قليلة كما حدث مع حزقيا الملك، فقد تحقق له الوعد في نفس ليلة اليوم الذي سمعه (2مل19: 20، 35).. ومثل حالة شفاء العشرة البرص (لو17: 12- 14)..
وقد يمتد وقت الإنتظار إلى بضعة أيام مثلما حدث مع التلاميذ، نالوا الوعد بالروح القدس بعد انتظار عشرة أيام (أع2: 1)..
وقد يتطلب الأمر عدة سنوات.. تأمل على سبيل المثال داود.. لقد أرسل الرب إليه صموئيل النبي لكي يمسحه ملكاً.. وقتها أخذ داود الوعد بأن يصير ملكاً، لكنه لم يصر ملكاً فعلياً في نفس اليوم أو اليوم الذي يليه.. لقد مرت سنوات قبل أن يصل إلى العرش..
وفي بعض الأحيان يتحقق الوعد تدريجياً مع نمو إيماننا..
أياً كان الأمر فليكن لنا كل الثقة، أن الله لا يتأخر..
ضع في قلبك هذه الحقيقة أن الله لا يتأخر مُطلقاً في تحقيق الوعود.. فعندما نتمسك بإيماننا بها، سيتحقق كل وعد في وقته المناسب تماماً..
الله يقول لنا مُطمئناً قلوبنا:
"في وقته [وقت الوعد] أُسرع به" (إش60: 22)
لقد "صنع الكل حسناً [جميلاً] في وقته" (جا3: 11)
انتبه معي إلى كلمة "في وقته" في الآيتين.. لقد حدد الله ميعاداً لكل وعد أخبرك به، وبكل تأكيد لن يكون هذا الوعد أبداً حسناً وجميلاً كما في الوقت الذي حدده الله لتحقيقه..
وقت الانتظار ليس وقتاً ضائعاً.. إنه وقت لتحقيق أهداف عظمى وثمينة..
قد يجعله الرب وقتاً للتنقية ولحسم أُمور لا تزال مُعلقة في حياتنا..
وقد يكون زمناً للنضوج الروحي ولتشكيل أوانينا..
وربما لنتعلم دروساً ثمينة ليس من وسيلة أخرى لنتعلمها جيداً..
أو هو وقت لنحارب فيه العدو بهدف إذلاله وإضعافه..
وقد يكون لفترة الإنتظار كل هذه الأهداف معاً أو بعض منها.. لكنها في جميع الأحوال وقت ثمين يحدده الرب لامتحان إيماننا وتقويته، ليرتفع به إلى إيمان أعظم..
وقت لإمتحان الإيمان
الإيمان أمر ثمين جداً في علاقتنا مع الرب.. تؤكد الرسالة إلى العبرانيين هذا قائلة: "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه [إرضاء الرب]" (عب11: 6).. لذا يسمح الرب لنا بفترة انتظار لكي يمتحن إيماننا..
إقرأ معي باهتمام هذه العبارة التي ذكرها سفر المزامير عن يوسف..
"بيع يوسف عبداً.. إلى وقت مجئ كلمته. قول الرب امتحنه" (مز105: 17، 19)
إنها عبارة هامة تكشف لنا هدف وقت الإنتظار.. إنه لإمتحان الإيمان.. فمتى ظهر إيمان يوسف؟ أليس عندما اجتاز ظروفاً بالغة القسوة كانت بحسب العيان تسير به بعيداً عن وعد الله له بالمجد؟.. ألقاه إخوته في البئر.. اتُهِمَ ظُلماً واُلقي في السجن.. جاز ظروفاً صعبة مدة ثلاثة عشر عاماً.. لكنه ظل مُتمسكاً بالوعد برغم العيان المُضاد، وهكذا ينبغي أن تكون أنت.. وقت الإنتظار هو وقت لإمتحان إيمانك.. لا لكي تفشل.. كلا ليس هذا قصد الرب.. "الله لم يُعطنا روح الفشل" (2تي1: 7).. إذا سمح الله أن يُمتحن إيمانك فهذا لكي يتزكى..
امتحان الإيمان ليس أمراً ضدك.. كلا، بل لأجللك، لفائدتك.. الرسول يشرح مؤكداً أن امتحان الإيمان هدفه تزكية إيمانك وليس إصابتك بالهزيمة والإعياء، يقول:
"لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يُمتحن بالنار" (1بط1: 7)
تأمل كم تكون فرحة المنقبين عن الذهب حينما يمتحنون بالنار عينة من منجم جديد ويجدونها ذهباً حقيقياً!!
وفترة الإنتظار بما يجري خلالها من أحداث هي هذه النار التي يسمح بها الرب لامتحان إيماننا.. لنفرح لأنها ليست لإيذائنا بل لازديادنا قوة، إنها تُظهر بوضوح مجد إيماننا الأثمن من الذهب.. تقول رسالة يعقوب:
"احسبوه كل فرح يا أخوتى حينما تقعون في تجارب متنوعة. عالمين أن امتحان إيمانكم يُنشئ صبراً. وأما الصبر فليكن له عمل تام" (يع1: 2-4)
يقول هذا المقطع ثلاثة أمور:
حينما تأتي علينا التجارب، فلنحسبه كل فرح..
امتحان الإيمان يُنشئ صبراً..
ليكن لهذا الصبر عمل تام..
احسبوه كل فرح
هل أحزنتك التجارب؟ هل تشك في أمانة الرب؟.. الأمر لامتحان إيمانك، لا لتفشل، بل ليظهر إيمانك أنه من الرب.. الروح يقول لك احسبه كل فرح..
إن كنت الآن مُكتئباً لأن وعود الرب لم تتحقق معك.. قُم حالاً من هذه الخطية، أطع الروح.. احسبه كل فرح.. قاوم الحزن إن كنت قد استسلمت له، وسبح تعبيراً عن الفرح فهكذا يتزكى إيمانك..
الامتحان يُنشأ صبراً
أيها الحبيب، انظر، يعقوب لم يقل أن امتحان الإيمان سيُنشئ فشلاً.. كلا، بل سيُنشئ صبراً..
إن كلمة صبر في اللغة العربية لا تُعبر بدقة عن معناها الغني في الأصل اليوناني الذي كُتب به العهد الجديد.. الكلمة هي "hypomone" "هيبومون" وهي تعني: “to stay behind” و "standing fast".. أي أن تبقي ثابتاً بعد رحيل الآخرين(31)..
هل تُريد أن تفهم هذا المعنى؟.. ارجع معي إلى سفر صموئيل الثاني الأصحاح الثالث والعشرين.. اقرأ عما فعله شمة أحد ابطال داود.. لقد هرب كل الشعب أمام العدو أما شمة فلم يتراجع.. لم يخف مع أنه بقي وحيداً، كان يثق أن الرب معه.. وقف في ارض المعركة "فصنع [به] الرب خلاصاً" (2صم23" 12)..
لقد بقي شمة ثابتاً رغم تراجع كل المُعضدين.. هذا هو الصبر "الهيبومون" الذي ستُعطيه لك التجارب.. قوة للثبات والتحمل، حتى لو تراجع الذين كانوا يشجعونك من قبل..
هللويا.. فترة الإنتظار لن تخلق في فشلاً بل ثباتاً وصموداً، شجاعة وثقة..
وكلمة "هيبومون" تعني أيضاً التوقع والإنتظار(32).. ولقد أتت الكلمة في الترجمة السبعينية للعهد القديم ترجمة لكلمة عبرية تُشتق من فعل "------" “qâvâh” كما في مزمور 62..
يقول داود:
"لأن من قِبله [قِبل الرب] رجائي [توقعيmy expectation (KJV) ]" (مز62: 5)
وفعل “qâvâh” الذي تأتي منه كلمة توقعي يعني حرفياً يربط شيئين معاً “to bind together by twisting”، ولذا ترجمت كلمة توقع أيضاً بمعنى حبل مجدول(33)..
هذا هو معنى الصبر.. إنه التوقع، أن ترتبط بالوعد الذي تتوقع حدوثه ارتباطاً وثيقاً فتُصبح معه كالحبل المجدول فيصير جزءاً منك وواحداً معك..
لنتهلل، فتجارب فترة الإنتظار هي لامتحان الإيمان.. لا لتُنشئ فينا الفشل بل هذا الصبر "الهيبومون" الذي يتوقع وينتظر الخلاص، ويجعلك تلتصق بالوعد.. ستزيد التجارب من ثبات توقعك للوعد وارتباطك به، ستجعله جزءاً لا يتجزأ منك..
أيها الحبيب، فترات الانتظار ليست مُطلقاً للفشل، بل لكي يتزكى إيماننا.. لنتذكر كلمات رسالة يعقوب: "احسبوه كل فرح" (يع1: 2).. إنها فترة مجيدة لها هدف ثمين، أن يظهر بوضوح الإيمان الذي بذره الرب فينا..
ليكن للصبر عمل تام
تنبهنا رسالة يعقوب: "وأما الصبر [الهيبومون، الثبات والانتظار والتوقع] فليكن له عمل تام" (يع1: 4).. أي يستمر إلى أن يتحقق الهدف(34)..
ضع في قلبك أن تظل ثابتاً، منتظراً ومتوقعاً حدوث الوعد.. تذكر أن هذه هي مسئوليتك أن تقاوم الاندفاع البشري، وأن تنتظر الرب ليكون لصبرك عمل تام..
لا تستصعب الأمر، فأنت لست وحيداً.. الروح القدس "المُعزي" يقف بجوارك يُعين ضعفك (رو8: 26) يشددك ويُشجعك، ويُعطيك القوة الكافية إلى النهاية..
ليس قصد الله أبداً أن تفشل، بل أن تنال الوعود.. "لأنكم تحتاجون إلى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد" (عب10: 36)..
لقد فَقَدَ شاول مُلكه لأنه لم يضع في قلبه أن يكون لصبره عمل تام وأن ينتظر إلى النهاية.. لم يطلب قوة من الرب "إله الصبر" (رو15: 5)، الإله الذي يعطي الثبات والانتظار والتوقع.. لم يتشدد بالرب، فماذا حدث له؟..
لنقرأ القصة معاً.. لقد أعطاه صموئيل النبي وعداً أنه سيأتي إليه.. وانتظر شاول سبعة أيام لكن صبره لم يكن له عمل تام.. رأى الشعب يتفرق عنه بسبب الإنتظار، فانزعج ولم يطلب الرب ولم يتقو به.. تسرع مُندفعاً بعمل بشري غير إيماني بدلاً من الإنتظار..
وماذا كانت النتيجة؟.. سقط في خطأ أحمق أفقده المُلك.. أيها الحبيب، احذر الإندفاع والقرارات الهوجاء حينما يُحاربك إبليس بالملل من الإنتظار، تمسك بإيمانك بصدق الوعود.. تذكر كلمات سفر إشعياء "من آمن لا يتسرع “act hestily (KJV)” (إش28: 16)..
ومتى اندفع شاول؟ لنتأمل التوقيت.. لقد تصرف بحماقة بينما كان صموئيل النبي قادماً إليه في الطريق، وعلى مسافة قصيرة جداً منه.. سقط عندما كان الوعد على وشك أن يتحقق (1صم13: 10)..
عادة ما تشتد حروب الشك حينما يشعر إبليس أن وقت تحقيق الوعد قد آن.. إنه يبغضك جداً ولن يقبل أن يتنازل بسهولة عن فرصته الأخيرة..
ثق أنك أقوى منه بكثير.. ثق في إلهك.. انتظره.. سيُعطي لصبرك أن يكون له عمل تام.. سيُزكي إيمانك.. سيجعل انتصاره عظيماً، لقد دعاك أن تكون أعظم من مُنتصر (رو8: 37)..
اعتمد على أمانته، قُل له مثل إرمياء:
"كثيرة [عظيمة Great(KJV) أمانتك" (مرا3: 23)
بكل تأكيد سيُحقق الرب وعده معك.. كل وعد في وقته المناسب، ليس قبل، وليس بعد..
وقت لتقوية الإيمان
وقد يسمح الرب للظروف أن تسوء وللصعوبات أن تتضخم لكي يرفع إيمانك إلى مستوى أعلي يتناسب مع هذه التحديات..
لننظر إلى إبراهيم.. لقد أعطاه الرب وعداً عظيماً بأن نسله سيكون كنجوم السماء في الكثرة (تك12: 2).. وقتها كان جسد إبراهيم غير قادر على الإنجاب (تك16: 4)..
لكن الرب لم يحقق وعده، بل انتظر إلى أن صار جسد إبراهيم غير قادر مُطلقاً على الإنجاب.. آنذاك تراءى له وأسمعه هذه الكلمات العظيمة "أنا الله القدير.. سارة أمرأتك تلد" (تك17: 1، 19)..
لقد انتظر الرب لكي يُعطي لإبراهيم هذا الإمتياز، أن يمتلك أعظم مستوى للإيمان.. الإيمان بالقيامة، بحياة تخرج من الموت.. لقد شهد الوحي لإيمانه "آمن به [أي آمن إبراهيم بالله] الذي يُحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.. وإذ لم يكن ضعيفاً في الإيمان لم يعتبر جسده وهو قد صار مُماتاً.. ولا بعدم إيمان إرتاب في وعد الله بل تقوى بالإيمان مُعطياً مجداً لله" (رو4: 17، 19، 20)..
أيها الحبيب، قد ينتظر الرب لتتعقد الأمور وتصعب المشاكل، لكن لا لتفشل بل لكي يُعطيك إيماناً أعظم.. إيماناً يُمجده بوضوح..
وقت للتنقية
قد يتأنى الرب في تنفيذ وعد أو أكثر من وعوده إذا وجدنا مُستسلمين لخطية ما.. ينتظر حتى يرى فينا موقفاً واضحاً منها..
هو يُحبنا ويهمه قداستنا قبل أي أمر آخر..
في وقت انتظارك لتحقيق الوعد، سيُحدثك بوضوح عن هذه الخطية..
فقد يكون بداخلك اتجاه عدائى تجاه أحد الإخوة، ولم تأتِ بعد إلى الرب بهذا الإتجاه ليُزيله منك..
وقد يكون سبب تأخر الوعد أنك لست أميناً، في أمورك المالية أو في أحاديثك مع الناس..
وربما السبب هو وجود خطايا عاطفية أو جنسية لا تُقاومها..
وقد يُشير الرب إلى سوء مُعاملتك لزوجتك أو أولادك (1بط3: 7)..
وهكذا فقد يكون توقيت تحقيق الوعد في إنتظار حسمك لأمور مثل هذه.. كي ترفض خطاياك وتعترف بها، وتأخذ موقفاً واضحاً منها..
تذكر ما حدث مع يعقوب.. لقد وعده الرب أن يعيده سالماً إلى أرض آبائه.. لكن متى تحقق هذا الوعد؟.. أليس بعد أن نقى يعقوب أُسرته من تماثيل الآلهة (تك35: 4)؟! وأليس بعد أن تخلص هو نفسه من اعتماده على قوته البشرية (تك32: 22-29)؟!
قد يسمح الرب بفترات الإنتظار لنكتشف ما بنا من قلق وتوتر وغضب بشري واعتماد على الذات، ولجوء إلى الطرق البشرية الملوثة بخطايا الكذب والتملق والخوف.. ليرينا النتائج السيئة لهذه الخطايا، وليُقنعنا بعدم جدوى طرقنا البشرية الآثمة.. سينتظر الرب حتى نأتي إليه معترفين بهذه الخطايا، مُجاهدين ضدها ومُصممين أن يكون اتكالنا كاملاً على وعوده، وعلى نعمته الغنية..
أيها القارئ الحبيب، إنها الفرصة الآن لتتوقف عن القراءة، وتحنى رأسك في حضرة أبيك السماوي.. وتعترف له بهذه الخطايا، وتطلب منه أن يُحررك منها..
سيدي،
توبني فأتوب..
لتكن جلستي معك الآن لآخذ منك قوة أقف بها ضد هذه الخطايا، فلا أعود استلم لها..
بل أقاومها.. وأقاومها..
إنني أحبك، وأريد أن أخضع لك..
حينما تتكلم مع الرب بصراحة وتقول له كل شئ فهو يُنقيك..
سيحاول ابليس أن يستخدم الأحداث في وقت الإنتظار لكي يغربلك (لو22: 31)، بالطبع هو لا يهدف إلى تنقيتك بل ليزيل منك الحنطة.. ليحرمك من امتيازاتك الثمينة كالتمتع بالشركة مع الرب والإمتلاء بالسلام والقدرة على الصفح والعطاء.
تمسك بالرب، ولن يسمح للعدو أن ينال مقصده.. الرب يطمئنك بكلماته العظيمة "حبة [حنطة واحدة] لا تقع على الأرض" (عا 9:9)..
مبارك الرب.. مبارك الرب، في حبه ونعمته، سيستخدم الأحداث للهدف المضاد تماماً لهدف إبليس.. لكي يزيل منك التبن (مت3: 12)..
الرب يُنقيك "كالذهب والفضة" (ملا3:3)، ليُخلصك من أي رياء أو مظاهر خادعة كما من أسلحتك الجسدية العاجزة.. وكذلك لينزع منك كل خشب وعشب وقش (1كو3: 12)، الأمور التي تخلو من قيمة حقيقة..
الرب بنفسه يُنقينا .. وهو يُنقينا لهدف عظيم، أن يجعلنا مثمرين أكثر (يو15: 2)، ليستخدمنا لمجده على نحو أعظم وأعظم..
وقت لتشكيل الوعاء
طلب الرب من إرميا أن يذهب إلى حيث تُصنع أوعية الفخار.. هناك رأي الفخاري وهو يشكل بأصابعه كتلة من الطين موضوعه فوق قُرص يُديره بقدميه..
وسمع إرميا تفسير الرب لما رآه "هوذا كالطين بيد الفخاري.. هكذا أنتم بيدي" (إر18: 5)..
هل تريد أن يُهذب الرب طباعك ويعيد تشكيل شخصيتك إلى الأفضل؟ اطلب منه هذا.. قل له: أنا في يدك ككتله من الطين، افعل بي ما تُريد.. هو الفخاري المدهش سيدير بحكمته قُرص الظروف المحيطة بك، مرات ببطء ومرات أخرى بسرعة.. ثم بتدخلات مباشرة من أصابعه الفائقة المهارة سيُكمل ما تفعله الظروف معك، ليشكلك وعاءً نافعاً لخدمته..
قد يستخدم الرب فترات انتظار الوعود، وما يقع خلالها من أحداث وما تحمله لك من آلام، وما قد تمر به من حروب في تشكيل وعائك إلى وعاء أعظم.. سيضغط عليك بأصابعه أحياناً ليزيل بروزات موجودة فيك مثل العناد والاحتداد والغضب، وفي أحيان أُخرى سيستخدم أصابعة الرقيقة، ليلمس بها داخلك بحنان شديد ليُخفف من مُعاناتك وليملأك بتعزيات الروح..
فترات الانتظار قد يستخدمها الرب ليشكلك تدريجياً وفي العمق، ليجعلك وعاءً أعظم من ذي قبل.. وعاءً سلساً في انقياده بالروح، قادراً على تمييز الأمور.. وعاءً أكثر لُطفاً وأرق شعوراً في علاقته مع الآخرين..
الرب بنفسه يشكلك لكي يستخدمك، يعمل أولاً فيك لكي يعمل بك.. "نحن عمله" (أف2: 10).. ما أروع هذا جداً أن أقول لنفسي وسط التجارب إنني عمل الرب.. هو يشكلني لكي يستخدمني..
نعم، قد لا يتحقق الوعد في الحال، وقد تستمر الآلام بعض الوقت، لأجل هذا السبب العظيم، أن الفخاري الحكيم لم ينته بعد من تشكيل الوعاء..
سيدي،
خزف أنا بين يديك..
استخدم كل الأحداث..
جميعها، المُشجع منها، والمؤلم أيضاً..
استخدم الكل لتشكلني وعاءً..
يصلح لخدمتك..
وعاءً يمتلئ بروحك..
يشهد لحبك ولنعمتك..
وعاءً للكرامة.. وللمجد..
وقت لاستيعاب الدروس
عادة ما يستخدم الروح القدس الأحداث التي تتخلل وقت الانتظار ليحفر على صفحة قلب المؤمن حقائق روحية غالية..
أخذ داود وعداً من الرب أن يصير ملكاً على شعبه..
وانتظر داود تحقيق الوعد.. وفي زمن الانتظار تعرض لاضطهاد قاسٍ.. هرب واختبأ في مغارة.. اجتاز أوقات عصيبة.. لكن لولا هذه الأوقات ما انغرس في قلبه وبهذا العمق حقيقة اقتراب الله الشديد لأولاده ومساعدته العجيبه لهم (2صم22: 3)..
وحقيقة نعمته الغنية، أنه يغفر ويصحح الخطأ ويرفع الضعف ويسدد كل الاحتياجات.. لولا هذه الأوقات ما استطاع داود أن يُسجل لنا كلاماته العظيمة مثل: "عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تُلذذ نفسي" (مز94: 19)، و"إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي، (مز32: 4)..
أيها الحبيب، هل تريد أن يستخدمك الرب بقوة؟.. كل الذين استخدمهم بقوة كان لديهم الاستعداد أن يدخلوا مدرسته وأن يتعلموا منه في فترات الانتظار والاختفاء..
اُنظر إلى حياة موسى.. قبل أن يستخدمه الرب في قيادة شعبه علانية، قاده إلى برية سيناء ليُعلمه في فترة الانتظار أعظم وقت ان الرعاية وما تتطلبه من إنكار ذات وتحمل وعدم اندفاع (خر2)..
وكذلك إيليا، قبل أن يقوده للقضاء على أبناء البعل، انفرد به ليُعلمه علمياً دروس الاعتماد الكامل على عنايته.. إن الرب يسدد كل احتياج سواء بالطرق العادية أو الخارقة (1مل17).. كما أرسله للاختلاء في بلاد صيدون التي يملك عليها أبو إيزابل عدوته اللدودة، لكي يُعلمه دروس الشجاعة..
إن وقت انتظار الوعود هو وقت ثمين لامتحان الإيمان ولتقويته.. لتنقية النفس ولتشكيل الوعاء.. وهي أيضاً لاستيعاب الدروس الثمينة..
هل تحدث إليك الرب وأعطاك وعداً للتحرير أو الشفاء أو تسديد احتياج معين؟.. "انتظر الرب.. ليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب" (مز27: 14).. وإن بدا لك أن الوعد قد تأخر، تذكر كلمات الرب إلى حبقوق "إن توانت [إن بدت متأخرة] فانتظرها لأنها ستأتي إتياناً ولا تتأخر" (حب2: 3)..
لا تستسلم للإحساس بالملل والفشل.. كُن مُتيقظاً فوقت الانتظار هو وقت للتقوية "أما منتظرو الرب فيُجددون قوة" (إش40: 31)..
إن كلمة "منتظرو" هي بالعبرية "qâvâh" التي رأينا من قبل أنها تشير إلى الالتصاق والاتحاد(35)..
هل تريد أن تتحرر من الضعف في وقت الانتظار، هل تريد أن تتجدد قوة؟.. التصق.. انشغل.. سيُحررك انشغالك به من الخوف والقلق..
وقت الانتظار هو وقت انشغال بالرب، وبالوعد.. ولنحذر ما فعله بعض تلاميذ الرب (يو21: 3- 7) الذين ذهبوا إلى الجليل حيث وعدهم الرب أن يُقابلهم هناك، ولكن بدلاً من أن ينشغلوا بانتظاره رجعوا إلى طرقهم القديمة وانشغلوا في صيد السمك!!
كان هروباً من الانتظار أفقدهم الحرارة الروحية.. وفشلوا في أن يصطادوا سمكة واحدة.. وظهر لهم الرب ولم يقدروا أن يُميزوا شكله مع أنه لم يكن بعيداً عنهم، فقد فقدوا الرؤية الروحية..
أيها الحبيب، في وقت الانتظار احذر أن لا تنشغل بالرب.. احذر أن تنغمس في أمور تعطل شركتك معه.. كن حذراً كي لا تفشل وتقفد رؤيتك..
الرب يحبك جداً.. انشغل به.. وأبداً لن تفشل..
القس دانيال